الثلاثة قد قال بكل واحد منها طائفة فان كانت مقدورة للرب وحده فهو الذي يقوله وذلك عين الجبر وان كانت مقدورة للعبد وحده فذلك إخراج لبعض الأشياء عن قدرة الرب تعالى فلا يكون على كل شيء قدير ويكون العبد المخلوق الضعيف قادرا على ما لم يقدر عليه خالقه وفاطره وهذا هو الذي فارقت به القدرية للتوحيد وضاهت به المجوس وإن كانت مقدورة للرب والعبد لزمت الشركة ووقوع مفعول بين فاعلين ومقدور بين قادرين وأثر بين مؤثرين وذلك محال لأن المؤثرين إذا اجتمعا استقلالا على أثر واحد فهو غني عن كل منهما بكل منهما فيكون محتاجا إليهما مستغنيا عنهما قال السني: قد افترق الناس في هذا المقام فرقا شتى ففرقة قالت إنما تقع الحركة بقدرة الله وحده لا بقدرة العبد وتأثير قدرة العبد في كونها طاعة أو معصية فقدرة الرب وحده اقتضت وجودها وقدرة العبد اقتضت صفتها وهذا قول القاضي أبي بكر ومن اتبعه ولعمر الله أنه لغير شاف ولا كاف فإن صفة الحركة إن كان أثرا وجوديا فقد أثرت قدرته في أمر موجود فلا يمتنع تأثيرها في نفس الحركة وإن كان صفتها أمرا عدميا كان متعلق قدرته عدما لا وجودا وذلك ممتنع إذ أثر القدرة لا يكون عدما صرفا وفرقة أخرى قالت بل الفعل وصفته واقع بمحض قدرة الله وحده ولا تأثير لقدرة العبد في هذا ولا هذا وهذا قول الأشعري ومن اتبعه وفرقة قالت بل المؤثر قدرة العبد وحده دون قدرة الرب ثم انقسمت هذه الفرقة إلى فرقتين فرقة قالت أن قدرة العبد هي المؤثرة مع كون الرب قادرا على الحركة وقالت أن مقدورات العباد مقدورة لله تعالى وهذا قول أبي الحسين البصري وأتباعه الحسينية وفرقة قالت أن قدرة العبد هي المؤثرة والله سبحانه غير قادر على مقدور وهذا قول المشايخية أتباع أبي على وأبي هاشم وليس عند ابن الخطيب وجمهور المتكلمين غير هذه الأقوال التي لا تشفي عليلا ولا تروي غليلا وليس عند أربابها إلا مناقضة بعضهم بعضا وقد أجاب بعض أصحاب أبي الحسين عن هذا السؤال انه كان يقول بمقدور بين قادرين فله أن يقول في هذا المقام ان كان الدليل الذي ذكرته دليلا صحيحا على استحالة اجتماعهما على فعل واحد فإنما يدل على استحالته على فعلهما على سبيل الجمع ولا يستحيل على سبيل البدل كما يستحيل حصول جوهرين في مكان واحد ولا يستحيل حصولهما فيه على البدل وهذا جواب باطل قطعا فإن مضمونه أن أحدهما لا يقدر عليه إلا إذا تركه الآخر فحال تلبس العبد بالفعل بقدرته وإرادته إن كان مقدورا لله فهو القول بمقدور بين قادرين وان لم يكن مقدورا له لزم إخراج بعض الممكنات عن قدرته فإن قلت هو قادر عليه بشرط أن لا يقدر عليه العبد قيل لك فهذا تصريح منك بأنه في حال قدرة العبد عليه لا يقدر عليه الرب فلا ينفعك القول بأنه قادر عليه على البدل وأيضا فإن قدر عليه بشرط أن لا يقدر عليه العبد فإذا قدر العبد عليه انتفت قدرة الرب لانتفاء شرطها وهذا مما صاح به عليكم أهل التوحيد من أقطار الأرض ورموكم به عن قوس واحدة وإنما صانعتم به أهل السنة مصانعة وإلا فحقيقة هذا القول أن العبد يقدر عليه على مالا يقدر عليه الرب وحكاية هذا الرأي الباطل كافية في فساده فإن قلت كما لا يمتنع معلوم واحد بين عالمين ومراد واحد بين مريدين قيل هذا من أفسد القياس لأن المعلوم لا يتأثر بالعالم والمراد لا يتأثر بالمريد فيصح الاشتراك في المعلوم والمراد كما يصح الاشتراك في المرئي والمسموع وأما المقدور فيجوز اشتراك القادرين فيه بالقدرة المصححة