يقع طلاقه لأن قوله هدر ولغو عند الشارع فوجوده كعدمه في حكمه فبقي مجرد القصد وهو غير موجب للطلاق وهذا ضعيف فإن الشارع إنما ألغى قول المكره إذا تجرد عن القصد وكان قلبه مطمئنا بضده فأما إذا قارن اللفظ القصد واطمأن القلب بموجبه فإنه لا يعذر، فإن قيل فما تقولون فيمن ظن أن الإكراه لا يمنع وقوع الطلاق فقصده جاهلا بأن الإكراه مانع من وقوعه، قيل هذا لا يقع طلاقه لأنه لما ظن أن الإكراه على الطلاق يوجب وقوعه إذا تكلم به كان حكم قصده حكم لفظه فإنه إنما قصده دفعا عن نفسه لما علم أنه لا يتخلص إلا به ولم يظن أن الكلمة بدون القصد لغوا ودهش عن ذلك ولا وطر له في الطلاق فهذا لا يقع بخلاف الأول فإنه لما أكره على الطلاق نشأ له قصد طلاقها إذ لا غرض له أن يقيم مع امرأة أكره على طلاقها وإن كان لو لم يكره لم يبتدي طلاقها والمقصود أن المكره مريد لفعله غير ملجأ إليه.
فصل: وأما أفعال النائم فلا ريب في وقوع الفعل القليل منه والكلام المفيد واختلف الناس هل تلك الأفعال مقدورة له أو مكتسبة أو ضرورية بعد اتفاقهم على أنها غير داخلة تحت التكليف فقالت المعتزلة وبعض الأشعرية هي مقدورة له والنوم لا يضاد القدرة وإن كان يضاد العلم وغيره من الإدراكات وذهب أبو إسحاق إلى أن ذلك الفعل غير مقدور له وأن النوم يضاد القدرة كما يضاد العلم وذهب القاضي أبو بكر وكثير من الأشعرية إلى أن فعل النائم لا يقطع بكونه مكتسبا ولا بكونه ضروريا وكل من الأمرين ممكن قال أصحاب القدرة كان النائم قادرا في يقظته وقدرته باقية والنوم لا ينافيها فوجب استصحاب حكمها قالوا وأيضا فالنائم إذا انتبه فهو على ما كان عليه في نومه ولا يتجدد أمر وراء زوال النوم وهو قادر بعد الانتباه وزوال النوم غير موجب للاقتدار ولا وجوده نافيا لقدرة قالوا وأيضا قد يوجد من النائم ما لو وجد منه في حال اليقظة لكان واقعا على حسب الداعي والاختيار والنوم وإن نافى القصد فلا ينافي القدرة قال النافون للقدرة قولكم النوم لا ينافي القدرة دعوى كاذبة فإن النائم منفعل محض متأثر صرف ولهذا لا يمتنع ممن يؤثر فيه وقولكم لم يتجدد له أمر غير زوال النوم فالتجدد زوال المانع من القدرة فعاد إلى ما كان عليه كمن أوثق غيره رباطا ومنعه من الحركة فإذا حل رباطه تجدد زوال المانع قالوا نجد تفرقة ضرورية بين حركة النائم وحركة المرتعش والمفلوج وما ذاك إلا أن حركته مقدورة له وحركة المرتعش غير مقدورة له والتحقيق أن حركة النائم ضرورية له غير مكتسبة وكما فرقنا في حق المستيقظ بين حركة ارتعاشه وحركة تصفيقه كذلك نجد تفرقه ضرورية بين حركة النائم وحركة المستيقظ.
فصل: وأما زائل العقل بجنون أو سكر فليست أفعاله اضطرارية كأفعال الملجأ ولا اختيارية بمنزلة أفعال العامل العالم بما يفعله بل هي قسم آخر من الاضطرارية وهي جارية مجرى أفعال الحيوان وفعل الصبي الذي لا تمييز له بل لكل واحد من هؤلاء داعية إلى الفعل يتصورها وله إرادة يقصد بها وقدرة ينفذ بها وإن كان داعية نوع آخر غير داعي العاقل العالم بما يفعله فلا بد أن يتصور ما في الفعل من الغرض ثم يريده ويفعله وهذه أفعال طبيعية واقعة بالداعي والإرادة والقدرة والدواعي والإرادات تختلف ولهذا لا يكلف أحد هؤلاء بالفعل فأفعاله لا تدخل تحت التكليف وليست كأفعال الملجأ ولا المكره وهي مضافة إليهم مباشرة وإلى خالق ذواتهم وصفاتهم خلقا فهي مفعولة وأفعال