سبحانه هو الذي يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء لا غيره فالأول تفرده بالملك والثاني تفرده بالتصرف فيه وأنه سبحانه هو الذي يعز من يشاء بما يشاء من أنواع العز ويذل من يشاء بسلب ذلك العز عنه وأن الخير كله بيديه ليس لأحد معه منه شيء ثم ختمها بقوله:{إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فتناولت الآية ملكه وحده وتصرفه وعموم قدرته وتضمنت أن هذه التصرفات كلها بيده وأنها كلها خير فسلبه الملك عمن يشاء وإذلاله من يشاء خير وإن كان شرا بالنسبة إلى المسلوب الذليل فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل والحكمة والمصلحة لا تخرج عن ذلك وهذا كله خير يحمد عليه الرب ويثنى عليه به كما يحمد ويثنى عليه بتنزيهه عن الشر وأنه ليس إليه كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يثني على ربه بذلك في دعاء الاستفتاح في قوله: "لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك أنابك وإليك تباركت وتعاليت" فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه بل كل ما نسب إليه فهو خير والشر إنما صار شرا لانقطاع نسبته وإضافته إليه فلو أضيف إليه لم يكن شرا كما سيأتي بيانه وهو سبحانه خالق الخير والشر فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه كما تقدم فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وذلك خير كله والشر وضع الشيء في غير محله فإذا وضع في محله لم يكن شرا فعلم أن الشر ليس إليه وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك فإن منها القدوس السلام العزيز الجبار المتكبر فالقدوس المنزه من كل شر ونقص وعيب كما قال أهل التفسير هو الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به وهذا قول أهل اللغة وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة ومنه بيت المقدس لأنه مكان يتطهر فيه من الذنوب ومن أمه لا يريد إلا الصلاة فيه رجع من خطيئته كيوم ولدته أمه ومنه سميت الجنة حظيرة القدس لطهارتها من آفات الدنيا ومنه سمي جبريل روح القدس لأنه طاهر من كل عيب ومنه قول الملائكة ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقيل المعنى ونقدس أنفسنا لك فعدى باللام وهذا ليس شيء والصواب أن المعنى نقدسك وننزهك عما لا يليق بك هذا قول جمهور أهل التفسير، وقال ابن جرير:"ونقدس لك ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس ومما أضاف إليك أهل الكفر بك" قال وقال بعضهم: "نعظمك ونمجدك" قاله أبو صالح، وقال مجاهد:"نعظمك ونكبرك" انتهى وقال بعضهم ننزهك عن السوء فلا ننسبه إليك واللام فيه على حدها في قوله: {رَدِفَ لَكُمْ} لأن المعنى تنزيه الله لا تنزيه نفوسهم لأجله قلت ولهذا قرن هذا اللفظ بقولهم نسبح بحمدك فإن التسبيح تنزيه الله سبحانه عن كل سوء، قال ميمون بن مهران:"سبحان الله كلمة يعظم بها الرب ويحاشى بها من السوء" وقال ابن عباس: "هي تنزيه لله من كل سوء" وأصل اللفظة من المباعدة من قولهم سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها ومنه كل في فلك يسبحون فمن أثنى على الله ونزهه عن السوء فقد سبحه ويقال سبح الله وسبح له وقدسه وقدس له وكذلك اسمه السلام فإنه الذي سلم من العيوب والنقائص ووصفه بالسلام أبلغ في ذلك من وصفه بالسالم ومن موجبات وصفه بذلك سلامة خلقه من ظلمه لهم فسلم سبحانه من إرادة الظلم والشر ومن التسمية به ومن فعله ومن نسبته إليه فهو السلام من صفات النقص وأفعال النقص وأسماء النقص المسلم لخلقه من الظلم ولهذا وصف سبحانه ليلة القدر بأنها سلام والجنة بأنها دار السلام وتحية أهلها السلام وأثنى على أوليائه بالقول السلام