للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فصل: النوع السابع التعليل بلعل وهي في كلام الله سبحانه وتعالى للتعليل مجردة عن معنى الترجي فإنها إنما يقارنها معنى الترجي إذا كانت من المخلوق وأما في حق من لا يصح عليه الترجي فهي للتعليل المحض كقوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فقيل هو تعليل لقوله أعبدوا ربكم وقيل تعليل لقوله خلقكم والصواب أنه تعليل للأمرين لشرعه وخلقه ومنه قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} : {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} فلعل في هذا كله قد أخلصت للتعليل والرجاء الذي فيها متعلق بالمخاطبين.

فصل: النوع الثامن ذكر الحكم الكوني والشرعي عقيب الوصف المناسب له وتارة يذكر بأن وتارة يقرن بالفاء وتارة يذكر مجردا فالأول كقوله: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} وقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} وقوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} وقوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} والثاني كقوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} : {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} والثالث كقوله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وهذا في التنزيل يزيد على عدة آلاف موضع بل القرآن مملوء منه فإن قيل هذا إنما يفيد كون تلك الأفعال أسبابا لما رتب عليها لا يقتضي إثبات التعليل في فعل الرب وأمره فأين هذا من هذا قيل لما جعل الرب سبحانه هذه الأوصاف عللا لهذه الأحكام وأسبابا لها دل ذلك على أنه حكم بها شرعا وقدرا لأجل تلك الأوصاف وأنه لم يحكم بها لغير علة ولا حكمة ولهذا كان كل من نفى التعليل والحكم نفى الأسباب ولم يجعل لحكم الرب الكوني والديني سببا ولا حكمة هي العلة الغائية وهؤلاء ينفون الأسباب والحكم ومن تأمل شرع الرب وقدره وجزاءه جزم جزما ضروريا ببطلان قول النفاة والله سبحانه قد رتب الأحكام على أسبابها وعللها وبين ذلك خبرا وحسا وفطرة وعقلا ولو ذكرنا ذلك على التفصيل لقام منه عدة أسفار.

فصل: النوع التاسع تعليله سبحانه عدم الحكم القدري والشرعي بوجود المانع منه كقوله: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ} {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} وقوله: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآياتِ إِلاّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} أي آيات الاقتراح لا الآيات الدالة على صدق الرسل التي يقيمها هو سبحانه ابتداء وقوله: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} وقوله: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكاً لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ} فأخبر سبحانه عن المانع الذي منع من إنزال الملك عيانا بحيث يشاهدونه وأن حكمته وعنايته بخلقه منعت من ذلك فإنه لو أنزل الملك ثم عاينوه ولم يؤمنوا لعوجلوا

<<  <   >  >>