كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} وأخطأ من قال المعنى بيدك الخير والشر لثلاثة أوجه، أحدها أنه ليس في اللفظ ما يدل على إرادة هذا المحذوف بل ترك ذكره قصدا أو بيانا أنه ليس بمراد، الثاني أن الذي بيد الله تعالى نوعان فضل وعدل كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم:"يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع" فالفضل لإحدى اليدين والعدل للأخرى وكلاهما خير لا شر فيه بوجه، الثالث أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك كالتفسير للآية ففرق بين الخير والشر وجعل أحدهما في يدي الرب سبحانه وقطع إضافة الآخر إليه مع إثبات عموم خلقه لكل شيء.
فصل: والرب تعالى يشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ولا يشتق له من مخلوقاته وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته أو فعل قائم به فلو كان يشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل يسمى متكونا ومتحركا وساكنا وطويلا وأبيض وغير ذلك لأنه خالق هذه الصفات فلما لم يطلق عليه اسم من ذلك مع أنه خالقه علم إنما يشتق أسماءه من أفعاله وأوصافه القائمة به وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوق منفصل عنه ولا يتسمى باسمه ولهذا كان قول من قال أنه يسمى متكلما بكلام منفصل عنه وخلقه في غيره ومريد بإرادة منفصلة عنه وعادلا بعدل مخلوق منفصل عنه وخالقا بخلق منفصل عنه هو المخلوق قولا باطلا مخالفا للعقل والنقل واللغة مع تناقضه في نفسه فإن اشتق له اسم باعتبار مخلوقاته لزم طرد ذلك في كل صفة أو فعل خلقه وإن خص ذلك ببعض الأفعال والصفات دون بعض كان تحكما لا معنى له وحقيقة قول هؤلاء أنه لم يقم به عدل ولا إحسان ولا كلام ولا إرادة ولا فعل البتة ومن تجهم منهم نفى حقائق الصفات وقال لم تقم به صفة ثبوتية فنفوا صفاته وردوها إلى السلوب والإضافات ونفوا أفعاله وردوها إلى المصنوعات المخلوقات وحقيقة هذا أن أسماءه تعالى ألفاظ فارغة عن المعاني لا حقائق لها وهذا من الإلحاد فيها وإنكار أن يكون حسنا وقد قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وقد دل القرآن والسنة على إثبات مصادر هذه الأسماء له سبحانه وصفا كقوله تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} وقوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" وقول عائشة: "الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات" وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ برضاك من سخطك" وقوله: "أسألك الغيب وقدرتك على الخلق" وقوله: "أعوذ بعزتك أن تضلني" ولولا هذه المصادر لانتفت حقائق الأسماء والصفات والأفعال فإن أفعاله غير صفاته وأسماءه غير أفعاله وصفاته فإذا لم يقم به فعل ولا صفة فلا معنى للاسم المجرد وهو بمنزلة صوت لا يفيد شيئا وهذا غاية الإلحاد