للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشيئته وإرادته والجميع واقع بإرادته الكونية القدرية فهو يعيذ من إرادته بإرادته إذ الجميع خلقه وقدره وقضاء فليس هناك خلق لغيره فيعيذ منه هو بل المستعاذ منه خلق له فهو الذي يعيذ عبده من نفسه بنفسه فيعيذه مما يريده به بما يريده به فليس هناك أسباب مخلوقة لغيره يستعيذ منها المستعيذ به كما يستعيذ من رجل ظلمه وقهره برجل أقوى أو نظيره فالمستعاذ منه هو الذنوب وعقوباتها والآلام وأسبابها والسبب من قضائه والمسبب من قضائه والإعاذة بقضائه فهو الذي يعيذ من قضائه بقضائه فلم يعذ إلا بما قدره وشاءه وذلك الاستعاذة منه وشاءها وقدر الإعاذة وشاءها فالجميع قضاؤه وقدره وموجب مشيئته فنتجت هذه الكلمة التي لو قالها غير الرسول لبادر المتكلم الجاهل إلى إنكارها وردها أنه لا يملك الضر والنفع والخلق والأمر والإعاذة غيرك وأن المستعاذ منه هو بيدك وتحت تصرفك ومخلوق من خلقك فما استعذت إلا بك ولا استعذت إلا منك وهذا نظير قوله في الحديث الآخر: "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" فهو الذي ينجي من نفسه بنفسه ويعيذ من نفسه بنفسه وكذلك الفرار يفر عبده منه إليه وهذا كله تحقيق للتوحيد والقدر وأنه لا رب غيره ولا خالق سواه ولا يملك المخلوق لنفسه ولا لغيره ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا بل الأمر كله لله ليس لأحد سواه منه شيء كما قال تعالى لأكرم خلقه عليه وأحسنهم إليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} وقال جوابا لمن قال هل لنا من الأمر شيء: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} فالملك كله له والأمر كله له والحمد كله له والشفاعة كلها له والخير كله في يديه وهذا تحقيق تفرده بالربوبية والألوهية فلا إله غيره ولا رب سواه: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} : {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} : {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} فاستعذ به منه وفر منه إليه واجعل لجاك منه إليه فالأمر كله له لا يملك أحد معه منه شيئا فلا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يذهب بالسيئات إلا هو ولا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه ولا يضر سم ولا سحر ولا شيطان ولا حيوان ولا غيره إلا بإذنه ومشيئته يصيب بذلك من يشاء ويصرفه عمن يشاء فأعرف الخلق به وأقواهم بتوحيده من قال في دعائه وأعوذ بك منك فليس للخلق معاذ سواه ولا مستعاذ منه إلا وهو ربه وخالقه ومليكه وتحت قهره وسلطانه ثم ختم الدعاء بقوله لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك اعترافا بأن شأنه وعظمته ونعوت كماله وصفاته أعظم وأجل من أن يحصيها أحد من الخلق أو بلغ أحد حقيقة الثناء عليه غيره سبحانه فهو توحيد في الأسماء والصفات والنعوت وذاك توحيد في العبودية والتأله وإفراده تعالى بالخوف والرجاء والاستعاذة وهذا مضاد الشرك وذاك مضاد التعطيل وبالله التوفيق.

<<  <   >  >>