للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أمره ولم يوفقه للإيمان مراد له دينا لا كونا وكذلك أمر خليله بذبح ابنه ولم يرده كونا وقدرا وأمر رسوله بخمسين صلاة ولم يرد ذلك كونا وقدرا وبين هذين الأمرين وأمر من لم يؤمن بالإيمان فرق فإنه سبحانه لم يحب من إبراهيم ذبح ولده وإنما أحب منه عزمه على الامتثال وأن يوطن نفسه عليه وكذلك أمره محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بخمسين صلاة وأما أمر من علم أنه لا يؤمن بالإيمان فإنه سبحانه يحب من عباده أن يؤمنوا به وبرسله ولكن اقتضت حكمته أن أعان بعضهم على فعل ما أمره ووفقه له وخذل بعضهم فلم يعنه ولم يوفقه فلم تحصل مصلحة الأمر منهم وحصلت من الأمر بالذبح.

فصل: وأما الكتابة فالكونية كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} وقوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} والشرعية الأمرية كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فالأولى كتابة بمعنى القدر والثانية كتابة بمعنى الأمر.

فصل: والأمر الكوني كقوله: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} وقوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} وقوله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} وقوله: {وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً} وقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي فإن الله لا يأمر بالفحشاء والمعنى قضينا ذلك وقدرناه وقالت طائفة بل هو أمر ديني والمعنى أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا والقول الأول أرجح لوجوده، أحدها أن الإضمار على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا إذا لم يكن تصحيح الكلام بدونه، الثاني أن ذلك يستلزم إضمارين أحدهما أمرناهم بطاعتنا الثاني فخالفونا أو عصونا ونحو ذلك، الثالث أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه كقولك أمرته ففعل وأمرته فقام وأمرته فركب لا يفهم المخاطب غير هذا، الرابع أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك بل هو سبب للنجاة والفوز فإن قيل أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك قيل هذا يبطل بالوجه الخامس وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتّباع رسله المترفين وغيرهم فلا يصح تخصيص الأمر بالطاعة بالمترفين يوضحه، الوجه السادس أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم نحن لم يرسل إلينا، السابع أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم قال تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها فأمر رؤسائها ومترفيها أمرا كونيا قدريا لا شرعيا دينيا بالفسق في القرية فاجتمع أهلها على تكذيبهم وفسق رؤسائهم فحينئذ جاءها أمر الله وحق عليها قوله بالإهلاك والمقصود ذكر الأمر الكوني والديني ومن الديني قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} وقوله: {نَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وهو كثير

<<  <   >  >>