للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له وإن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما يعارضه ويقتضي حصول ضده وإن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع فإذا لم يوجد فهو لوجود منافيه لا لعدم مقتضيه ولهذا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لوجود الفطرة شرطا بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه فحصول هذا التهويد والتنصير موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة وحصول الحنيفية والإخلاص ومعرفة الرب والخضوع له لا يتوقف أصله على غير الفطرة وإن توقف كماله وتفصيله على غيرها وبالله التوفيق.

فصل: وقوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: "إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم" يتضمن أصلين عظيمين مقصودين لأنفسهما ووسيلة تعين عليهما أحدهما عبادته وحده لا شريك له والثاني إنما يعبد بما شرعه وأحبه وأمر به وهذان الأصلان هما المقصود الذي خلق له الخلق فضدهما الشرك والبدع فالمشرك يعبد مع الله غيره وصاحب البدعة يتقرب إلى الله بما لم يأمر به ولم يشرعه ولا أحبه وجعل سبحانه حل الطيبات مما يستعان به على ذلك ويتوسل به إليه فمدار الدين على هذين الأصلين وهذه الوسيلة فأخبر سبحانه أن الشياطين اقتطعت عباده عن هذا المقصود وعن هذه الوسيلة فأمرتهم أن يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا وهذا يتناول الإشراك بالمعبود الحق بأن يعبد معه غيره والإشراك بعبادته الحقة بأن يعبد بغير شرعه وكثيرا ما يجتمع الشركان فيعبد المشرك معه غيره بعبادة لم يشرع سبحانه أن يتعبد له بها وقد ينفرد أحد المشركين فيشرك به غيره في نفس العبادة التي شرعها ويعبده وحده بعبادة شركية لم يشرعها أو يتوسل إلى عبادته بتحريم ما أحله وقد ذم الله سبحانه المشركين على هذين النوعين في كتابه في سورة الأنعام والأعراف وغيرهما يذكر فيها ذمهم على ما حرموه من المطاعم والملابس وذمهم على ما أشركوا به من عبادة غيره أو على ما ابتدعوه من عبادته بما لم يشرعه وفي المسند: "أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة" فهي حنيفية في التوحيد وعدم الشرك سمحة في العمل وعدم الآصار والأغلال بتحريمهم من الطيبات الحلال فيعبد سبحانه بما أحبه ويستعان على عبادته بما أحله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} وهذا هو الذي فطر الله عليه خلقه وهو محبوب لكل أحد مستقر سنته في كل فطرة فإنه يتضمن التوحيد وإخلاص القصد والحب لله وحده وعبادته وحده بما يحب أن يعبد به والأمر بالمعروف الذي تحبه القلوب والنهي عن المنكر الذي تبغضه وتنفر منه ويحلل الطيبات النافعة وتحريم الخبائث الضارة.

فصل: وهذا أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن كل مولود يولد على الفطرة الحنيفية هو الذي تقوم الأدلة العقلية على صحته وأنه كما أخبر به الصادق المصدوق ومن خالف ذلك فقد غلط وبيان ذلك من وجوه، أحدها أن الإنسان قد يحصل له من الاعتقادات والإرادات ما يكون حقا وقد يحصل له منها ما يكون باطلا إذ اعتقاداته قد تكون مطابقة لمعتقدها وهي الحق

<<  <   >  >>