فصل: وفي قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} قول آخر أنه على علم الضال كما قيل على علم منه أن معبوده لا ينفع ولا يضر فيكون المعنى أضله الله مع علمه الذي تقوم به عليه الحجة لم يضله على جهل وعدم علم هذا يشبه قوله: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وقوله: {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} وقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} وقوله: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} وقول موسى لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} وقوله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} ونظائره كثيرة وعلى هذا التقدير فهو ضال عن سلوك طريق رشده وهو يراها عيانا كما في الحديث: "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه" فإن الضال عن الطريق قد يكون متبعا لهواه عالما بأن الرشد والهدى في خلاف ما يعمل ولما كان الهدى هو معرفة الحق والعمل به كان له ضدان الجهل وترك العمل به فالأول ضلال في العلم والثاني ضلال في القصد والعمل فقد وقع قوله على علم في قوله تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم} وفي قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} وفي قوله: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} فالأول يرجع العلم فيه إلى الله قولا واحدا والثاني والثالث فيهما قولان والراجح في قوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} أن يكون كالأول وهو قول عامة السلف والثالث فيه قولان محتملان وقد ذكر توجههما والله أعلم والمقصود ذكر مراتب القضاء والقدر علما وكتابة ومشيئة وخلقا.