وتلك الصفة تسمى كسبا وهي متعلق الأمر والنهي والثواب والعقاب فإن الحركة التي هي من طاعته والحركة التي هي من معصيته قد اشتركا في نفس الحركة وامتازت إحداهما عن الأخرى بالطاعة والمعصية فذات الحركة ووجودها واقع بقدرة الله وإيجاده وكونها طاعة ومعصية واقع بقدرة العبد وتأثيره وهذا وإن كان أقرب إلى الصواب فالقائل به لم يوفه حقه فإن كونها طاعة ومعصية هو موافقة الأمر ومخالفته فهذه الموافقة والمخالفة إما أن تكون فعلا للعبد يتعلق بقدرته واختياره وإن كان لم يكن للعبد اختيار ولا فعل ولا كسب البتة فلم يثبت هؤلاء من الكسب أمرا معقولا ولهذا يقال محالات الكلام ثلاثة كسب الأشعري وأحوال أبي هاشم وطفرة النظام ولما رأى طائفة فساد هذا قالوا المؤثر في وجود الفعل هو قدرة الرب على سبيل الاستقلال قالوا ولا يمتنع اجتماع المؤثرين على أثر واحد ولم يستوحش هؤلاء من القول بوقوع مفعول بين فاعلين ولا مقدور بين قادرين قالوا كما يمتنع وقوع معلوم بين عالمين ومراد بين مريدين ومحبوب بين محبوبين ومكروه بين مكروهين قالوا ونحن نشاهد قادرين مستقلين كل منهما يمكنه أن يستقل بالفعل يقع بينهما مفعول واحد يشتركان في فعله والتأثير فيه قالوا وليس معكم ما يبطل هذا إلا قولكم أن إضافته إلى أحدهما على سبيل الاستقلال يمنع إضافته إلى الآخر وإضافته إليهما وفي هذه الحجة إجمال لا بد له من تفصيل فيجوز وقوع مفعول بين فاعلين لا يستقل أحدهما به كالمتعاونين على الأمر لا يقدر عليه أحدهما وحده ويجوز وقوع مفعول بين فاعلين يشتركان فيه كل منهما يستقل به على سبيل البدل وهذا ظاهر أيضا ويجوز وقوع مفعول بين فاعلين يشتركان فيه وكل منهما يقدر عليه حال الانفراد كمحمول يحمله اثنان كل منهما يمكنه أن يستقل بحمله وحده وكل هذه الأقسام ممكنة بل واقعة بقي قسم واحد وهو مفعول بين فاعلين كل منهما فعله على سبيل الاستقلال فهذا محال فإن استقلال كل منهما بفعله ينفي فعل الآخر له فاستقلالهما ينافي استقلالهما وأكثر الطوائف يقر بوقوع مقدور بين قادرين وإن اختلفوا في كيفية وقوعه، فقالت طائفة الفعل يضاف إلى قدرة الله سبحانه على وجه الاستقلال بالتأثير ويضاف إلى قدرة العبد لكنها غير مستقلة فإذا انضمت قدرة الله إلى قدرة العبد صارت قدرة العبد مؤثرة على سبيل الاستقلال بتوسط إعانة قدرة الله وجعل قدرة العبد مؤثرة والقائل بهذا لم يتخلص من الخطأ حيث زعم أن قدرة العبد مستقلة بإعانة قدرة الله له فعاد الأمر إلى اجتماع مؤثرين على أثر واحد لكن قدرة أحدهما وتأثيره مستند إلى قدرة الآخر وتأثيره وكأنه والله أعلم أراد أن قدرة الرب مستقلة بالتأثير في إيجاد الفعل وهذا قد قاله طائفة من العلماء وقائل هذا لم يتخلص من الخطأ حيث جعل قدرة العبد مستقلة بالتأثير في إيجاد المقدور وهذا باطل إذ غاية قدرة العبد أن تكون سببا بل جزأ من السبب والسبب لا يستقل بحصول المسبب ولا يوجبه وليس في الوجود ما يوجب حصول المقدور إلا مشيئة الله وحده وأصحاب هذا القول زعموا أن الله أعطى العبد قدرة وإرادة وفوض إليه بهما الفعل والترك وخلاه وما يريد فهو يفعل ويترك بقدرته وإرادته اللتين فوض إليه الفعل والترك بهما وقالت طائفة أخرى مقدور العبد هو عين مقدور الرب بشرط أن يفعله العبد إذا تركه الرب ولم يفعله لا على أنه يفعله والرب له فاعل لاستحالة خلق بين خالقين وهذا بعينه مذهب من يقول بوقوع مفعول بين فاعلين على سبيل وهذا مذهب كثير من القدرية منهم الشحام وغيره