للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحذر من مصايد العدو ومكايده، ويعرفه من أين يدخل عليه، وبماذا يحذر منه، كالطبيب الذى ذاق المرض والدواء.

الثانى والعشرون: أنه يرفع عنه حجاب الدعوى، ويفتح له طريق الفاقة فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق أقرب من العبودية، فإن دوام الفقر إلى الله مع التخليط خير من الصفاءِ مع العجب.

الثالث والعشرون: أن تكون فى القلب أَمراض مزمنة لا يشعر بها، فيطلب دواءَها فيمن عليه اللطيف الخبير، ويقضى عليه بذنب ظاهر فيجد أَلم مرضه فيحتمى ويشرب الدواءَ النافع فتزول تلك الأمراض التى لم يكن يشعر بها، ومن لم يشعر بهذه اللطيفة فغلظ حجابه كما قيل:

لعل عتبك محمود عواقبه وربما صحت الأجسام بالعلل

الرابع والعشرون: أن يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب ليكمل له نعمته أو فرحه وسروره إذا أقبل بقلبه إليه وجمعه عليه وأقامه فى طاعته، فيكون التذاذه فى ذلك- بعد أن صدر منه ما صدر- بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، والشديد الخوف بالأمن، والمحب الطويل الهجر بوصل محبوبه.

وإن لطف الرب وبره وإحسانه ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.

الخامس والعشرون: امتحان العبد واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا، فإنه إذا وقع الذنب، سلب حلاوة الطاعة والقرب، ووقع فى الوحشة. فإن كان ممن يصلح اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة فحنت وأنَّت وتضرعت واستعانت بربها ليردَّها إلى ما عودها من بره ولطفه، وإن ركنت عنها واستمر إعراضها ولم تحن إلى تعهدها الأول ومأْلفها ولم تحس بضرورتها وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها علم أنها لا تصلح لله، وقد جاء هذا بعينه فى أثر إلهى لا أحفظه.

السادس والعشرون: أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب فى الإنسان أو بعضها، ولو لم يخلق فيه هذه الدواعى لم يكن إِنساناً بل ملكاً، فالذنب من موجبات البَشرية، كما أن النسيان من موجباتها، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ بَنِى آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"، ولا يتم الابتلاءُ والاختبار إلا بذلك. والله أعلم.

السابع والعشرون: أن ينسيه رؤية

<<  <   >  >>