للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طاعته ويشغله برؤية ذنبه فلا يزال نصب عينيه، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه حتى يدخل الجنة، فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره.

وقال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: كيف؟ قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال وتضرع إلى الله وبادر إلى محوها وانكسر وذل لربه وزال عنه عجبه وكبره، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يراها ويمن بها ويعتد بها ويتكبر بها حتى يدخل النار.

الثامن والعشرون: أن شهود ذنبه وخطيئته يوجب له أن لا يرى له على أحد فضلاً ولا له على أحد حقاً. فإنه إذا شهد عيب نفسه بفاحشة وخطأها وذنوبها لا يظن أنه خير من مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وإذا شهد ذلك من نفسه لم ير لها على الناس حقوقاً من الإِكرام يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها، فإنها عنده أخس قدراً وأقل قيمة من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها، أو لها عليهم فضل يستحق أن يلزموه لأجله، فيرى أن من سلم عليه أو لقيه بوجه منبسط قد أحسن إليه وبذل له ما لا يستحقه فاستراح فى نفسه واستراح الناس من عتبه وشكايته فما أطيب عيشه وما أنعم باله وما أقر عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتباً على الخلق شاكياً ترك قيامهم بحقه ساخطاً عليهم وهم عليه أسخط؟ فسبحان ذى الحكمة الباهرة التى بهرت عقول العالمين.

التاسع والعشرون: أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكر فيها، فإنه فى شغل بعيبه ونفسه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسى عيبه وتفرغ لعيوب الناس، فالأَول علامة السعادة، والثانى علامة الشقاوة.

الثلاثون: أنه يوجب له الإِحسان إلى الناس والاستغفار لإخوانه الخاطئين من المؤمنين فيصير هجِّيراه: ربِّ اغفر لى ولوالدى وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثل ما أُصيب به، ويحتاجون إِلى مثل ما هو محتاج إليه، فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم يحب أن يستغفر هو لأخيه المسلم، وقد قال بعض السلف: إِن الله لما عتب على الملائكة فى قولهم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: ٣٠] ، وامتحن هاروت وماروت جعلت الملائكة بعد ذلك تستغفر لبنى آدم ويدعون الله لهم.

الحادى والثلاثون: أنه يوجب

<<  <   >  >>