للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيره فى طريق الخواص: [نقص و] تفرق، ورجوع إلى النفس.

فإن إرادة العبد عين حظه وهو رأْس الدعوى، وإِنما الجمع والوجود فيما يراد بالعبد لا فيما يريد، كقوله تعالى: {وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧] ، فيكون مراده ما يراد به واختياره ما اختير له، إِذ لا إِرادة للعبد مع سيده ولا نظر، كما قال:

أُريد وصاله ويريد هجرى ... فأَترك ما أُريد لما يريد

ومن هذا قول أبى [يزيد] : قيل لى ما تريد؟ قلت أريد أن لا أريد، لأنى أنا المراد وأنت المريد.

فيقال ليس المراد من "العوام" فى كلامهم العامة الجهال، وإِنما مرادهم بهذه اللفظة عموم السالكين، دون أَهل الخصوص الواصلين منازل [إلى] الفناءِ وعين الجمع. وإذا عرف هذا فالكلام على ما ذكر فى الإرادة من وجه:

أحدها: أَن الإِرادة هى مركب العبودية، وأَساس بنائها الذى لا تقوم إلا عليه، فلا عبودية لمن لا إِرادة له، بل أَكمل الخلق أكملهم عبودية ومحبة وأصحهم حالاً وأقومهم معرفة وأتمهم إِرادة، فكيف يقال: إنها حلية العوام أو من منازل العوام.

الوجه الثانى: أنه يلزم من هذا أن تكون المحبة من منازل العوام، وتكون معلولة أيضاً لأنها إرادة تامة للمحبوب ووجود المحبة بلا إرادة كوجود الإنسانية من غير حيوانية وكوجود مقام الإحسان بدون الإيمان [والإسلام] ، فإذا كانت الإرادة معلولة وهى من منازل العوام لزم أن تكون المحبة كذلك.

فإِن قيل: المحبة التى لا علة فيها هى تجرد المحب عن الإرادة وفناؤه بإرادة محبوبه عن إرادته، قيل: هذا هو حقيقة الإِرادة أَن يبقى مراده مراد محبوبه، فلو لم يكن مريداً لمراد محبوبه لم يكن موافقاً له فى الإرادة.

والمحبة هى موافقة المحبوب فى إرادته فعاد الأمر إلى ما أشرنا إليه أن المعلول من ذلك ما تعلق بحظ المريد دون محبوبه، فإذا صارت إرادته موافقة لإرادة محبوبه لم تكن تلك الإرادة من منازل العوام ولا معلولة، بل هذه أشرف منازل الخواص وغاية مطالبهم، وليس وراءَها إلا التجرد عن كل إرادة والفناء بشهوده عن إرادة ما يريد، وهذا هو الذى يشير إليه السالكون إلى منازل الفناء ويجعلونه غاية الغايات، وهذا عند أهل الكمال نقص وتغيير فى وجه المحبة وهضم لجانب العبودية وفناء بحظ المحب من مشاهدته

<<  <   >  >>