للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمال محبوبه وفنائه فيه عن حق المحبوب ومراده، فهو الوقوف مع نفس الحظ والهروب عن حق المحبوب ومراده، وهل مثل هذا إلا كمثل رجلين ادعيا محبة ملك فحضرا بين يديه فقال: ما تريدان؟ فقال أحدهما: أُريد أَن لا أُريد شيئاً بل أَفنى عن إِرادتى وأَكون أنا المراد وأنت تريد بى ما تشاءُ.

وقال الآخر: [بل] أُريد أن أُنفق أَنفاسى وذراتى فى محابك ومرضاتك منفذاً لأَوامرك مشمراً فى طاعتك: أَتوجه حيث توجهين وأفعل ما تأْمرنى، هذا الذى أريده.

فقال للآخر: وأنا أريد منك أن تفعل مثل هذا، فإنى سأبعثكما فى أشغالى ومهماتى، فأما أحدهما فقال: لا حظ لى سوى اتباع مرضاتك والقيام بحقوقك، وقال الآخر: لا أُريد إلا مشاهدتك والنظر إليك والفناء فيك، فهل يكونان فى نظره سواءٌ، وهل تستوى منزلتهما عنده؟ ولو أَنعموا النظر لعلموا أن صاحب الفناءِ هو طالب [الحظ] الواقف معه، وأن الآخر وإن لم ينسلخ من الحظ ولكن حظه مراد المحبوب منه لا مراده هو من المحبوب، وبين الأَمرين من الفرق كما بين الأرض والسماءِ.

فالعجب ممن يفضل صاحب الحظ الذى يريده من محبوبه على من صار حظه مراد محبوبه منه، بل الفناء الكامل أن يفنى بإِرادته عن إِرادة [ما] سواه وبحبه عن حب ما سواه وبرجائه عن رجاءِ ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه، ليس أن تفنى بحظك منه عن مراده منك. وهذا موضع يشتبه علماً وحالاً وذوقاً إلا على من فتح الله عليه بفرقان بين هذا وهذا.

الوجه الثالث: أن الإرادة إنما تكون ناقصة بحسب نقصان المراد، فإذا كان مرادها أشرف [المراد] فإرادته أشرف الإرادات، ثم إذا كانت الوسيلة إليه أجل الوسائل وأنفعها وأكملها فإرادتها كذلك، فلا تخرج إرادته عن إرادة أشرف الغايات وإرادة أقرب الوسائل إليه وأنفعها، فأى علة فى هذه الإرادة وأَى شيء فوقها للخواص؟

الوجه الرابع: أن نقصان الشيء يكون من وجهين، أحدهما: أن يوجب ضرراً، والثانى: أن تكون له ثمرة نافعة، لكن يشغل عما هو أَكمل منه، وكلاهما منتف عن الإرادة، فكيف تكون ناقصة معلولة؟ فإن قيل: لما كان الوقوف معها رجوعاً إلى النفس وتفرقاً ووقوفاً مع حظ المريد كانت ناقصة، قيل: هذا منشأْ الغلط.

وجوابه بالوجه الخامس: وهو أن يقال: قوله: "إن [الإرادة] تفرق"، فإن أردتم

<<  <   >  >>