للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثانية: إرادات متفرقة لحقه ومحابه وما أَمر به فهى، وإن تعددت وتكثرت فمرجعها إلى مراد واحد بإرادة [واحدة] كلية وكل فعل منها له إرادة جزئية محضة.

الوجه العاشر: أن قول أبى يزيد: "أُريد أن لا أُريد" تناقض بيِّن، فإنه قد أَراد عدم الإرادة. فإذا قال: "أُريد أَن لا أُريد" يقال له: فقد أَردت، وأَحسن من هذا أَن يكون الجواب: أُريد ما يريد لا ما أُريد، وإذا كان لا بد من إِرادة ففرق بين الإِرادتين: إِرادة سلب الإِرادة، وإِرادة موافقة المحبوب فى مراده. والله أعلم.

الوجه الحادى عشر: أَنه فسر الإِرادة بتجريد القصد وجزم النية، والجد فى الطلب. وهذا هو عين كمال [العبد] وهو متضمن للصدق والإخلاص والقيام بالعبودية، فأَى نقص فى تجريد القصد وهو تخليصه من كل شائبة نفسانية أَو طبيعية وتجريده لمراد المحبوب وحده، والجد فى طلبه وطلب مرضاته وجزم النية وهو أَن لا يعتريها وقفة ولا تأْخير، وهذا الأَمر هو غاية منازل الصديقين، وصديقية العبد بحسب رسوخه فى هذا المقام، وكلما ازداد قربه وعلا مقامه قوى عزمه وتجرد صدقه، فالصادق لا نهاية لطلبه ولا فتور لقصده، بل قصده أَتم وطلبه أكمل ونيته. قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيكَ الْيَقِينْ} [الحجر:٩٩] ، واليقين هنا الموت باتفاق [أهل] الإسلام، فجاء صلى الله عليه وسلم إذ جاءه وإرادته وقصده ونيته فى الذروة العليا ونهاية كمالها وتمامها، فأين العلة فى هذه الإرادة؟ ولكن العلة والنقص فى الإِرادة التى يكون مصدرها النفس والهوى، وغايتها نيل حظ المريد من محبوبه، وإن كان المحبوب يريد ذلك لكن غيره أحب إليه منه، وهو أن يكون مراده محض حق محبوبه وحصول مرضاته، فانياً عن حظه هو من محبوبه، بل قد صار حظه منه نفس حقه ومراده، فهذه هى الإِرادة والمحبة التى لا عِلَّة فيها ولا نقص.

نسأل الله تعالى أَن يمن علينا ويحيينا ولو بنفس منها، كما منّ بتعليمها ومعرفتها إِنه جواد كريم.

الوجه الثانى عشر: أَنه قال بعد هذا: "فصحة الإِرادة بذل الوسع واستفراغ الطاقة مع ترك الاختيار والسكون إِلى مجارى الأَقدار، فيكون كالميت بين يدى الغاسل يقلبه كيف يشاءُ فأَين هذا من قوله: "وذلك فى طريق الخواص نقص وتفرق"، وهل

<<  <   >  >>