للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بقية لغير المحبوب فهو جاهد على إخراجها وإعدامها.

قالوا: وأيضاً فالواردات الإلهية ترد على القلوب على قدر استعدادها وقبولها، فإذا صادفت القلب فارغاً خالياً من العوارض والمنازعات ودواعى الطبع والهوى ملأَته على قدر فراغه، وإذا امتلأَ منها لم يبق لأضدادها وأعدائها فيه مسلك، وإذا صادفت فيه موضعاً مشغولاً بغيرهم من الأَغيار لم يساكن ذلك الموضع فيدخل الضد والعدو من تلك الثلمة، كما قال القائل:

لا كان من لسواك فيه بقية ... يجد السبيل بها إليه العذل

وقال:

ومهما بقى للصحو فيه بقية ... يجد نحوك اللاحى سبيلاً إلى العذل

قالوا: وأيضاً فدواعى الطبع وإرادات النفس وشهواتها مصدرها إما جهل وإما ضعف، فإنها لا تصدر إلا من جهل العبد بآثارها وموجباتها، أَو يكون عالماً بذلك، لكن فيه ضعف وعجز يمنعه عن محوها من قلبه بالكلية، وما كان سببه جهلاً أو عجزاً لا يكون كمالاً ولا مستلزماً لكمال، وأَما القلب الخالى منها ومن الاشتغال بدفعها فقلب شريف قوى علوى رفيع. قالوا: وأيضاً فهذه الإِرادات والدواعى لا تسير العبد، بل إما أن تنسكه إن أجابها، وإما أن تعوقه وتوقفه إن اشتغل بمدافعتها، وأَما إرادات القلب السليم منها والنفس المطمئنة بربها، فكل إرادة منها تسير به مراحل على مهلة، فهو يسير رويداً وقد سبق السعادة كما قيل:

من لى بمثل سيرك المذلل ... تمشى رويداً وتجيء فى الأول

قالوا: وأيضاً فإن هذه الدواعى والإرادات إنما تحمد عاقبتها إذا ردت صاحبها إلى حال السليم منها فيكون كماله فى تشبهه به وسيره معه، فكيف يكون أكمل ممن كماله إنما هو فى تشبهه به؟

قالوا: وأيضاً فالنفوس ثلاثة: أَمارة، ولوامة، ومطمئنة.

والنفس الأَمارة هى المطيعة لدواعى طباعها وشهواتها، فمبادئ كونها أمارة هى تلك الدواعى والإرادات فتستحكم فتصير عزمات، ثم توجب الأفعال. فمبدأُ صفة الذم فيها تلك الدواعى. وأما النفس المطمئنة فهى التى عدمت هذه المباديء فعدمت غاياتها، فكيف تكون مباديء النفس الأَمارة مما يوجب لها مزية على النفس المطمئنة؟ فهذا ونحوه مما احتجت به هذه الطائفة أيضاً لقولها.

والحق أن كلا الطائفتين على صواب من القول، لكن كل فرقة لحظت غير ملحظ

<<  <   >  >>