للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واد قد سلكه خلق وتفرقوا فى شعابه وطرقه ومتاهاته ولم تستقر لهم فيه قدم ولا لجؤوا منه إلى ركن وثيق، بل هم كحاطب الليل وحاطم السيل.

مع قدرته على التعبير عن ذلك المعنى بأحسن عبارة وأوجزها، فكيف يليق به أَنْ يعدل عن مقتضى البيان الرافع للإشكال المزيل للإجمال، ويوقع الأُمة فى أودية التأْويلات شعاب الاحتمالات والتجويزات، سبحانك هذا بهتان عظيم.

وهل قدر الرسول حق قدره أو مرسله حق قدره من نسب كلامه سبحانه أو كلام رسوله إلى مثل ذلك؟ ففصاحة الرسول وبيانه وعلمه ومعرفته ونصحه وشفقته يحيل عليه أن يكون مراده من كلامه ما يحمله عليه المحرفون للكلم عن مواضعه المتأولون له غير تأْويله، وأن يكون كلامه من جنس الألغاز والأحاجى. والحمد لله رب العالمين.

فإن قلت: فهل من مسلك غير هذا الوادى الذى ذممته فنسلك فيه، أو من طريق يستقيم عليه السالك؟ قلت: نعم، بحمد الله [الطريق واضحة المنار بينة الأعلام مضيئة للسالكين وأولها أن تحذف خصائص المخلوقين عن إضافتها إلى صفات رب العالمين] فإن هذه العقدة هى أصل بلاء الناس، فمن حلها فما بعدها أيسر منها، ومن هلك بها فما بعدها أشد منها. وهل نفى أحد ما نفى من صفات الرب ونعوت جلاله إلا لسبق نظره الضعيف إليها واحتجاجه بها عن أصل الصفة وتجردها عن خصائص المحدث، فإن الصفة يلزمها لوازم باختلاف محلها فيظن القاصر إذا رأى ذلك اللازم فى المحل المحدث أنه لازم لتلك الصفة مطلقاً فهو يفر من إثباتها للخالق سبحانه، حيث لم يتجرد فى ظنه عن ذلك اللازم، وهذا كما فعل من نفى عنه سبحانه الفرح والمحبة والرضى والغضب والكراهة والمقت والبغض، وردها كلها إلى الإرادة، فإنه فهم فرحاً مستلزماً لخصائص المخلوق من انبساط دم القلب وحصول ما ينفعه،

<<  <   >  >>