للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بلادته منهم، أو من قد خرق تلك الخيالات وقطع تلك الشبهات وحكم الفطرة والشرعة والعقل المؤيد بنور الوحى عليها فنقدها نقد الصيارف فنفى [زغلها] ، وعلم أن الصحيح منها إما أن يكون قد تولت النصوص بيانه، وإما أن يكون فيها غنية عنه بما هو خير منه وأقرب طريقاً وأسهل تناولاً، ولا يستفيد المؤمن- البصير بما جاء به الرسول العارف به- من المتكلمين سوى مناقضة بعضهم بعضاً ومعارضته وإبداء بعضهم عوار بعض ومحاربة بعضهم بعضاً، فيتولى بعضهم محاربة بعض ويسلم ما جاء به الرسول.

فإذا رأى المؤمن العالم الناصح لله ولرسوله أحدهم قد تعدى إلى ما جاء به الرسول يناقضه ويعارضه [ويضاده] فليعلم أنهم لا طريق لهم إلى ذلك أبداً، ولا يقع ردهم إلا على آراءِ أمثالهم وأشباههم. وأما [ما] جاء به الرسول فمحفوظ محروس مصون من تطرق المعارضة والمناقضة إليه فإن وجدت شيئاً من ذلك فى كلامهم فبدار بدار إلى إِبداء فضائحهم وكشف تلبيسهم ومحالهم وتناقضهم وتبيين كذبهم على العقل والوحى، فإنهم لا يردون شيئاً مما جاءَ به الرسول إلا بزخرف من القول يغتر به ضعيف العقل والإيمان، فاكشفه ولا تهن، تجده كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءَه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب، ولولا أَن كل مسائل القوم وشبههم التى خالفوا فيها النصوص بهذه المثابة لذكرنا من أمثلة ذلك ما تقر به عيون أهل الإِيمان السائرين إلى الله على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإن وفق الله سبحانه جردنا لذلك كتاباً مفرداً، وقد كفانا شيخ الإسلام ابن تيمية [قدس الله روحه ونور ضريحه] هذا المقصد فى عامة كتبه، لا سيما كتابه الذى وسمه ببيان موافقة العقل الصريح للنقل الصحيح، فمزق فيه شملهم كل ممزق، وكشف [فيه] أسرارهم وهتك أَستارهم، فجزاه الله عن الإسلام وأَهله من أفضل الجزاء.

واعلم أنه لا ترد شبهة صحيحة قط على ما جاءَ به الرسول، بل الشبهة التى يوردها أهل البدع والضلال على أهل السُّنَّة لا تخلو من قسمين: إما أن يكون القول الذى أُوردت عليه ليس من أقوال الرسول بل تكون نسبته إليه غلطاً، وهذا لا يكون متفقاً عليه بين أهل السنة أبداً، بل يكون قد قاله بعضهم وغلط فيه، فإن العصمة إنما هى لمجموع الأُمة لا لطائفة معينة منها. [وإما أن يكون القول الذى أوردت عليه قولاً صحيحاً لكن لا ترد تلك الشبهة عليه وحينئذ فلابد لها من أحد أمرين] .

وإما أن تكون لازمة، وإما أَلا تكون لازمة. فإن كانت لازمة لما جاء بها الرسول فهى حق لا شبهة، إذ لازم الحق حق، ولا ينبغى الفرار منها كما يفعل الضعفاءُ

<<  <   >  >>