للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفلا تَذَكّرُونَ} إلى قوله: {هُوَ الَّذِى جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَد السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلا بِالْحَقِّ} [يونس: ٣] ، وقوله: {آلَم اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَى القَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [آل عمران: ١- ٣] .

فهذا أمره وتنزيله مصدره الحق والأول خلقه وتكوينه مصدره الحق أيضاً، فبالحق كان الخلق والأَمر وعنه صدر الخلق والأمر، وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] ، فأخبر سبحانه أن الغاية المطلوبة من خلقه هى عبادته التى أصلها كمال محبته، وهو سبحانه كما أنه يحب أن يعبد، [أو] يحب أن يحمد ويثنى عليه ويذكر بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى.

كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: "لا أحد أحب إليه المدح من الله، ومن أجل ذلك أثنى على نفسه".

وفى المسند من حديث الأسود بن سريع أنه قال: يا رسول الله، إنى حمدت ربى بمحامد فقال: "إن ربك يحب الحمد"، فهو يحب نفسه ومن أجل ذلك يثنى على نفسه، ويحمد نفسه، ويقدس نفسه، ويحب من يحبه ويحمده ويثنى عليه. بل كلما كانت محبة عبده له أقوى كانت محبة الله له أكمل وأتم، فلا أحد أحب إليه ممن يحبه ويحمده ويثنى عليه.

ومن أجل ذلك كان الشرك أبغض الأشياء إليه لأنه ينقص هذه المحبة، ويجعلها بينه وبين من أشرك به ولهذا لا يغفر الله [سبحانه] أن يشرك به لأن الشرك يتضمن نقصان هذه المحبة والتسوية فيها بينه وبين غيره، ولا ريب أن هذا من أعظم ذنوب المحب عند محبوبه التى [ينقص] بها من عينه [وتنحط] بها مرتبته عنده إذا كان من المخلوقين، فكيف يحتمل رب العالمين أن يشرك بينه وبين غيره فى المحبة.

والمخلوق لا يحتمل ذلك ولا يرضى به، ولا يغفر هذا الذنب لمحبه أبداً وعساه أن يتجاوز لمحبه عن غيره من الهفوات والزلات فى حقه، ومتى علم بأنه يحب غيره كما يحبه لم يغفر له هذا الذنب ولم يقربه إليه.

هذا مقتضى الطبيعة والفطرة، أفلا يستحى العبد أن يسوى بين إلهه ومعبوده وبين غيره فى هذه العبودية والمحبة، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَنداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لله} [البقرة: ١٦٥] ، فأخبر سبحانه أن من أحب شيئاً [من] دون الله كما يحب الله

<<  <   >  >>