للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَم وحملناهم فِى الْبِرِّ وَالْبَحْرِ وَرزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: ٧٠] ، [وقال] لصالحيهم وصفوتهم: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآل إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين} [آل عمران: ٣٣] . وقال [تعالى] لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِى} [طه: ٤١] ، واتخذ منهم الخليلين، والخلة أعلى درجات المحبة.

وقد جاء فى بعض الآثار: يقول تعالى: "ابن آدم خلقتك لنفسى، وخلقت كل شيء لك فبحقى عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له".

وفى أثر آخر يقول تعالى: "ابن آدم، خلقتك لنفسى فلا تلعب، وتكفلت برزقك فلا تتعب، ابن آدم اطلبنى تجدنى فإن وجدتنى وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء".

فالله سبحانه خلق عباده له، ولهذا اشترى منهم أنفسهم، وهذا عقد لم يعقده مع خلق غيرهم فيما أخبر به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ليسلموا إليه النفوس التى خلقها له.

وهذا الشراء دليل على أنها محبوبة له مصطفاة عنده، مرضية لديه. وقدر السلعة يعرف بجلالة قدر مشتريها وبمقدار ثمنها، هذا إذا جهل قدرها فى نفسها، فإذا عرف قدر السلعة وعرف مشتريها، وعرف الثمن المبذول فيها علم شأْنها ومرتبتها فى الوجود. فالسلعة أنت، والله المشترى والثمن جنته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه فى دار الأمن والسلام.

والله [سبحانه] لا يصطفى لنفسه إلا أعز الأشياء وأَشْرَفَهَا وأعظمها قيمة. وإذا كان قد اختار العبد لنفسه، وارتضاه لمعرفته ومحبته، وبنى له داراً فى جواره وقربه، وجعل ملائكته خدَمه يسعون فى مصالحه فى يقظته ومنامه وحياته وموته، ثم إنَّ العبد أبق عن سيده ومالكه، معرضاً عن رضاه، ثم لم يكفه ذلك حتى خامر عليه وصالح عدوه ووالاه من دونه وصار من جنده مؤثراً لمرضاته على مرضاة وليه ومالكه، فقد باع نفسه- التى اشتراها منه إلهه ومالكه وجعل ثمنها جنته والنظر إلى وجهه- من عدوه وأبغض خلقه إليه، واستبدل غضبه برضاه ولعنته برحمته ومحبته.

فأى مقت خلى هذا المخدوع عن نفسه لم يتعرض له من ربه؟ قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدم فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِى وَهُمْ لَكُمْ عَدُو، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدلاً} [الكهف: ٥٠] .

<<  <   >  >>