للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو الفناء عن شهود السوى، مع تفريقهم بين الرب والعبد وبين الطاعة والمعصية وجعلهم وجود الخالق غير وجود المخلوق. ثم هم مختلفون فى هذا الفناء على قولين: أحدهما أنه الغاية المطلوبة من السلوك، وما دونه بالنسبة إليه ناقص، ومن هنا يجعلون المقامات [والمنازل] معلولة. والقول الثانى: أنه من لوازم الطريق لا بد منه للسالك، ولكن البقاء أكمل منه وهؤلاء يجعلونه ناقصاً ولكن لا بد منه، وهذه طريقة كثير من المتقدمين. وهؤلاء يقولون: إن الكمال شهود العبودية مع شهود المعبود، فلا يغيب بعبادته عن معبوده، ولا بمعبوده عن عبادته ولكن لقوة الوارد وضعف المحل وغلبة استيلاءِ الوارد على القلب- حتى يملكه من جميع جهاته- يقع الفناءُ. والتحقيق أن هذا الفناء ليس بغاية، ولا هو من لوازم الطريق، بل هو عارض من عوارض الطريق يعرض لبعض السالكين دون جميعهم وسببه أُمور ثلاثة:

أحدها: قصده وإرادته والعمل عليه، فإنه إذا علم أنه الغاية المطلوبة شمر سائراً إليه عاملاً عليه، فإذا أشرف عليه وقف معه ونزل بواديه وطلب مساكنته. فهؤلاء إنما يحصل لهم الفناءُ لأن سيرهم كان على طلب حظهم ومرادهم من الله وهو الفناء لم يكن سيرهم على تحصيل مراد الله منهم وهو القيام بعبوديته والتحقق بها. والسائر على طلب تحصيل مراد الله منه لا يكاد الفناءُ يحل بساحته ولا يعتريه.

السبب الثانى: قوة الوارد بحيث يغمره ويستولى عليه، فلا يبقى فيه متسع لغيره أصلاً.

السبب الثالث: ضعف المحل عن احتمال ما يرد عليه.

فمن هذه الأسباب الثلاثة يعرض الفناءُ. ولما رأى الصادق فى طريقه السالك إلى ربه أن أكثر أصحاب الفرق محجوبون عن هذا المقام مشتتون فى أودية الفرق وشهدوا نقصهم ورأوا ما هم فيه من الفناءِ أكمل ظنوا أنه لا كمال [وراء] ذلك، وأنه الغاية المطلوبة، فمن هنا جعلوه غاية.

ولكن أكمل من ذلك وأعلى [وأجل هو القسم الثالث] وهو الفناءُ عن عبادة السوى وإرادته ومحبته وخشيته ورجائه والتوكل عليه والسكون إليه [فيفنى بعبادة ربه ومحبته وخشيته ورجائه وخشيته ورجائه ورجائه والتوكل عليه إليه عن عبادة غيره وعن محبته رجائه والتوكل عليه] مع شهود الغير ومعاينته. فهذا أكمل من فنائه عن عبودية الغير ومحبته مع عدم شهوده له وغيبته عنه، فإذا شهد الغير فى مرتبته أوجب شهوده له زيادة

<<  <   >  >>