للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فى محبة معبوده، وتعظيماً له وهروباً إليه وظناً به، فإن نظر المحب إلى مباديء محبوبه ومضاده يوجب زيادة حبه له، وفى هذا المعنى قال القائل:

وإذا نظرت إلى أميرى زادنى ... حباً له نظرى إلى الأُمراءِ

وكان النبى صلى الله عليه وسلم يقول فى دعائه: "اللَّهم لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت وإليك حاكمت". وفى سجوده: "اللَّهم لك سجدت، وبك آمنت"، وكذلك فى ركوعه: "اللَّهم لك ركعت، وبك آمنت".

فهذا دعاءُ من قد جمع بين شهود عبوديته وشهود معبوده، ولم يغب بأحدهما عن الآخر، وهل هذا إلا كمال العبودية: أن يشهد ما يأْتى به من العبودية موجهاً لها إلى المعبود الحق، محضراً لها بين يديه، متقرباً بها إليه. فأما الغيبة عنها بالكلية بحيث تبقى الحركات كأَنها طبيعية غير واقعة بالإرادة فهذا- وإن كان أكمل من حال الغائب بشهود عبوديته عن معبوده- فحال الجامع بين شهود العبودية والمعبود أكمل منهما. وإذا عرفت هذه القاعدة ظهر أن تعليله التوكل بما ذكر تعليل باطل.

الوجه الثامن: أن التوكل على الله نوعان: أحدهما: توكل عليه فى تحصيل حظ العبد من الرزق والعافية وغيرهما، والثانى: توكل عليه فى تحصيل مرضاته.

فأما النوع الأول فغايته المطلوبة وإن لم تكن عبادة لأنها محض حظ العبد، فالتوكل على الله فى حصوله عبادة، فهو منشأُ لمصلحة دينه ودنياه.

وأما النوع الثانى فغايته عبادة، وهو فى نفسه عبادة. فلا علة فيه بوجه فإنه استعانة بالله على ما يرضيه. فصاحبه متحقق بإياك نعبد وإياك نستعين، فتركه ترك لشطر الإيمان. والعلة إنما هى فى ضعف هذا التوكل.

فهب أن التوكل فى حصول الحظ معلول فيلزم من هذا أن يكون التوكل فى حصول مراد الرب سبحانه ومرضاته معلولاً.

الوجه التاسع: قوله: "وحقيقة التوكل عند القوم التوكل فى تخليص القلوب من علة التوكل"، فيقال: إذا كان هذا التوكل عندك ليس بمعلول، ولا هو عمى عن الكفاية، ولا رجوع إلى الأسباب بعد رفضها، بطل تعليل التوكل بما عللته به. وإن

<<  <   >  >>