للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو أهل لها، فإن كرمه [سبحانه] وفضله تعالى لا يناقض حكمته، بل يضع فضله مواضعه لسعته ورحمته، ويمنعه من ليس من [أهل] بحكمته وعلمه. ثم قال تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:٢٦٢] ، هذا بيان للقرض الحسن ما هو؟ وهو أن يكون فى سبيله أى فى مرضاته والطريق الموصلة إليه، ومن أنفعها سبيل الجهاد.

[فسبيل] الله خاص وعام، والخاص جزءٌ من السبيل العام وأن لا يتبع صدقته بمنّ ولا أذى، فالمن نوعان: أحدهما: منّ [بقلبه] من غير أن يصرح به بلسانه، وهذا إن لم يبطل الصدقة فهو من [نقصان] شهود منة الله عليه فى إعطائه المال وحرمان غيره وتوفيقه للبذل ومنع غيره منه فللَّه المنة عليه من كل وجه، فكيف يشهد قلبه منه لغيره؟ والنوع الثانى: أن يمن عليه بلسانه [فيتعدى] على من أحسن إليه بإحسانه ويريه أنه اصطنعه وأنه أوجب عليه حقاً وطوقه منة فى عنقه فيقول: أما أعطيتك كذا وكذا؟ ويعدد أياديه عنده.

قال سفيان: يقول أعطيتك فما شكرت. وقال عبد الرحمن بن [زيد] ، كان أبى يقول: إذا أعطيت رجلاً شيئاً ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه وكانوا يقولون: إذا [اصنعتم] صنيعة فانسوها، وإذا أُسديت إليكم صنيعة فلا تنسوها. وفى ذلك قيل:

وإن امرءاً أَهدى إلى ... صنيعة وذكَّرنيها مرة لبخيل

وقيل: صنوان من منح سائله ومنَّ، ومن منع نائله وضنَّ وحظر الله على عباده المن بالصنيعة واختص به صفة لنفسه، لأن منَّ العباد تكدير [تعبير] ، ومنَّ الله سبحانه إفضال وتذكير، وأيضاً فإنه هو المنعم فى نفس الأَمر والعباد وسائط، فهو المنعم على عبده فى الحقيقة. وأيضاً فالامتنان استعباد وكسر وإذلال لمن يمن عليه، ولا تصلح العبودية والذل إلا لله.

وأيضاً فالمنة أن يشهد المعطى أنه هو رب الفضل والإنعام، وأنه ولى النعمة ومسديها، وليس ذلك فى الحقيقة إلا الله، وأيضاً فالمانُّ بعطائه يشهد نفسه مترفعاً على الآخذ مستعلياً عليه غنياً عنه عزيزاً، ويشهد ذل الآخذ وحاجته إليه وفاقته، ولا ينبغى ذلك للعبد، وأيضاً فإن المعطى قد تولى الله ثوابه ورد عليه أضعاف ما أعطى فبقى عوض ما أعطى عند الله.

فأى حق بقى له قبل الآخذ؟ فإذا امتن عليه فقد

<<  <   >  >>