ثم ما لقي في سبيل ذلك من معارضة، وعنت، وتحدّ، واضطهاد، وإيذاء، ثم تطور إلى صراع ومقاومة مع المشركين أدت إلى الهجرة إلى الحبشة، وإلى المدينة المنورة المباركة هو وأصحابه بأمر من الله تعالى، كما في قوله:{وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}[الإسراء: ٨٠] .
ولقد جاء وصوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة عندهم مشروعاً إنسانياً عظيماً كبيراً، كان مقدمة لتأسيس دولة الإسلام على المؤاخاة، وهو النظام الاجتماعي الذي لم تعرف العرب له مثيلاً من قبل، ثم تأسيس هذه الدولة على ركائز أخرى كبناء المسجد، وتوقيع المعاهدات بين سكانها وبين مَنْ جاورها، ثم الانطلاق بالدعوة نحو كل اتجاه خارج حدود المدينة المنورة.
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة مواجهة التحديات الكبرى في تلك المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام في مرحلة الدفاع في كل من بدر، وأحد، والخندق، والحديبية، حتى تغيَّرت الموازين لصالح المسلمين، وخرجوا بعد ذلك بأمر من الله تعالى لقتال الناس من أجل رفع راية التوحيد، والقضاء على مظاهر الشرك والوثنية البغيضة، التي فَرَّقَتْ الناس إلى سيد، وعبد، وشريف، ووضيع، فقاتل بعضهم بعضاً، وعاشوا قبل أن يُسْلموا ردحاً من الزمن في الفوضى والعبث.
وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ لفظ السيرة عندهم يعني أيضاً المنهج النبوي، والخلق المحمدي، فيما يتعلق بصفاته، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم، وما خَصَّه الله تعالى به من خصائص عظيمة، وما أيَّده به من معجزات باهرة خارجة عن المألوف والمعروف بقدرة الله عز وجل.