للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا تؤول هذه النظرية جبرية خالصة _كما مر_ ويبقى الخلاف بينهم وبين الجبرية خلافاً لفظياً بل طريقتهم أكثر غموضاً.

أما حقيقتها النظرية الفلسفية فقد عجز الأشاعرة عن فهمها فضلاً عن إفهامها غيرهم، ولهذا قيل:

مما يقال ولا حقيقة تحته ... معقولة تدنو إلى الأفهام

الكسب عند الأشعري والحال عنـ ... ـد البهشمي وطفرة النظام

وقد دار حول الكسب جدال طويل، ولم ينته الأشاعرة فيه إلى قول مستقيم١.

ومن الأشاعرة من يرى أن الفعل واقع بقدرة العبد، وأن العبد له كسب، وليس مجبوراً، وهذا هو قول الباقلاني.

يقول رحمه الله:" ويجب أن يعلم أن العبد له كسب، وليس مجبوراً، بل مكتسب لأفعاله من طاعة ومعصية؛ لأنه _ تعالى _ قال: {لَهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:٢٨٦] يعني من ثواب طاعةٍ، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] ، يعني من عقاب معصية.

وقوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس} [الروم:٤١] ، وقوله: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيْبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:٣٠] ، وقوله: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [فاطر: ٤٥] .


١_ انظر القضاء والقدر للمحمود ص٣١٣، ومنهج الأشاعرة في العقيدة ص٤٣٦، وباعث النهضة الإسلامية ص١٨٣_١٨٧.

<<  <   >  >>