ومن أعجب ما رأيت فيها أن رجلا من عوامنا، ممن كان من أعوان الظلمة، في بغداد لا علم له ولا حال، إلا أنا كلنا نسمع أنه يتعلم الرمل والجفر، ولا يعرف شيئا منها، جاء إلى دمشق، وادعى المشيخة في الطريق، واتخذ شبكة وقلل الخروج من بيته، [و] كان يسمى أولا بحسن، والآن عندهم يسمى الشيخ حسن، فو الله إنه ما سأل عن حالي ولا زارني مع إلفتي معه في بغداد، ومعرفته بي غاية المعرفة. وما فعل هذا الجاهل لئلا يسقط قدره عند القوم ويقولون الشيخ حسن زار فلانا فالظاهر أنه أفضل منه، هذا الذي انطوت عليه نفسه الخبيثة، وكذا سائر من هو من أمثاله مثله، وقد سمعت من غير واحد أن لكل عالم منهم ولدا يتعشقه ولا يقرئ إلا إذا أحضر ذلك الولد، فإنا لله وإنا إليه راجعون. والظاهر أن جميع علمائهم لا علم لهم لأني رأيت هذين الشيخين ومدحهما في دمشق الشام منشور، فكيف بمن لا ذكر له بل هو من تلامذتهم؟ فالظاهر أنه دونهم فإنا لله وإنا إليه (١٣٥ ب) راجعون.
وأما المرتبة الوسطى فلهم رقة وديانة وصلاح وأمان وإكرام للغرباء وحسن ظن بالصلحاء، يواددون الغريب ويكرمونه ويجلونه، وهؤلاء أهل الحرف كالعطارين والبزازين والبقالين وبعض العلماء ومن ينحو نحوهم. ومن أغرب ما رأيت في دمشق الشام أن الزواني يدرن في الأسواق جهرا، ويخالطونهن السفهاء، ويأكلن في رمضان على ملأ من الناس، ومكانهن عند باب الجامع المسمى بجامع السّباهية «١» ولا أحد ينهاهن أو يزجرهن أو يزجر من يقبّلهن جهرا في الأسواق فإنا لله وإنا إليه راجعون «٢» .