للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالله، حسبي الله ونعم الوكيل، على الله توكلت.

[[المدينة المنورة]]

وتليها مرحلة طابة الطيبة المنورة، دخلتها يوم الأربعاء الخامس والعشرين من ذي القعدة الحرام «١» ، وقبل رؤيتي معالمها ازداد اضطرابي، وتضاعف خوفي ورعبي، وعيناي (١٧٦ ب) تهملان بالدموع، وفؤادي محترق بالولوع. ولما وقع نظري على معالمها نزلت عن الجمل ومشيت راجلا إلى أن دخلتها فتمثلت بقول القائل:

ولمّا رأينا رسم من لم يدع لنا ... فؤادا لعرفان الدّيار ولا لبّا

نزلنا عن الأكوار «٢» نمشي كرامة ... لمن بان عنه أن نلمّ به ركبا

وكيف التذاذي بالأصائل والضحى ... إذا لم يعد ذاك النسيم الذي هبّا

فيا شوق ما أبقى ويا لي من النوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما اصبى

وحين دخلتها اغتسلت، وقصدت المسجد النبوي، (اتخلل الطرف) «٣» ، منكس الرأس، هامل العين، خائفا وجلا، فدخلت من باب سيدنا جبرائيل لأنه- صلى الله عليه وسلم- كان يدخل منه، فازداد خوفي وبكائي وتضاعف خجلي وحيائي خشية أني قصرت في إقامة شريعته وإحياء سننه، فلا سنة أحييتها ولا بدعة أمتها، لا نشرت أحكامه بين أمته، ولا أتعبت نفسي في تشييد ملته، وأكثر خوفي ورعبي أني إذا قلت: السلام عليك يا رسول الله، (١٧٧ أ) أخشى أن يكون جوابي منه: لا سلام عليك ولا حياك ولا بياك! فوقفت تجاه وجهه الشريف في غمرات الناس، وأنا خائف وجل، كأني سارق أطالب بحد، أو قاتل أقيد لقود، أو فاعل فعلة شنيعة، أو مرتكب جريرة قبيحة فظيعة، خافض الطرف، منكس الرأس، ذاهل عن جميع الحواس، ناظر إلى أسفل الجدار، ودموعي كالوبل المدرار، وأعضائي ترعد

<<  <   >  >>