للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي ألبسته الهيبة والجلالة، (٣٦ ب) ومنطقته السؤود والعدالة، وقصمت بسطوته ظهور القساة المتمردين، وأحييت برأفته العفاة المقلين، ونشرت بأوامره أعلام العدل والأمان، وطويت بزواجره كل بغي وعدوان، آمين. فالمعروض على السدة التي سمت على السماكين «١» قدرا ونمت على النيرين رفعة وفخرا، لا زالت لجباه الأمراء الأفاخم مساجد، ولا برحت مقبلة بشفاه الأعاظم الأماجد.

بقيت بقاء الدهر يأكهف أهله ... وهذا دعاء للبرية شامل

هو أنه من الأمور المقررة، والأحكام المحررة، مما هو معلوم لديكم، وغير خفي عليكم، أن النطف أجابت من كل فج سيدنا إبراهيم حين أذن بالحج، فصممت نفس هذا الداعي على أن تتبع القول بالعمل، وتجمع بين جوابي الأرواح والأشباح، ليطابق الحال في الأزل، فنزعت نزوع الطفل بعد فطامه إلى الرضاع، إلى أن تعفر محياها مهابط الوحي من تيك البقاع، لترمي من أشواقها جمرات، وترضع من ثدي زمزم رضعات، وتقف على عرفات الغفران، وتسعى بحط الأوزار (٣٧ أ) باستلام الأركان، وتطوف حول حمى الملك الغفار، قائلة: هذا مقام العائذ بك من النار، ولما تيقنت أن العمر قد ذهب أطيبه، وغبر أعذبه، وأن الجسم قد وهى ورقّ، والعظم قد وهن ودق، والبدن كشن «٢» بالية وعما يصلحها عارية خالية، وتذكرت حديثا سمعته من الثقات الجهابذة الأثبات، أنه صلى الله عليه وسلم قال، أو كما قال: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك) الحديث سارعت بالاستئذان مستدرة عوائد الإحسان:

وفي النفس حاجات وفيك فطانة ... سكوتي بيان عندها وخطاب

ولله عليّ إذا شاهدت تلك المشاهد، وتعهدت هاتيك المعاهد، أن تكون هجيراي المستمرة، وشنشنتي الدائمة المستقرة، خير الدعاء لكم في تلك الأماكن الشريفة، والبقاع السامية المنيفة، فلا زلت مغمورا بالنعم، مدفوعا عنك النقم، آمين.

<<  <   >  >>