للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ما هو بصدده فليتلطف في قطع عشرته من أول الأمر قبل تمكنها، فإن الأمور إن تمكنت عسُرت إزالتُها. فإن احتاج إلى من يصحبه فليكن صاحباً صالحاً ديِّناً تقياً ورِعاً ذكياً ١، كثير الخير قليل الشر، حسن المداراة قليل المماراة، إن نسي ذكَره، وإن ذكر أعانه وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبّره.

قال الزرنوجي: "وأما اختيار الشريك فينبغي أن يختار المُجد الورع، وصاحب الطبع المستقيم والمتفهم، ويفر من الكسلان والمعطل والمكثار والمفسد والفتان ٢" ٣.


١ قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة. ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة". رواه البخاري في الذبائح، باب المسك، ح ٥٥٣٤.
٢ انظر تعليم المتعلم للزرنوجي (ص ٨) .
٣ هذه التوجيهات سديدة ونصائح مفيدة لطالب العلم ليتجنب مصاحبة مَنْ هذه صفاته، وما أكثر الذين يتصفون بهذه الصفات من الشباب في كل عصر، حتى أصبح الأصل في كثير منهم الكسل، والبطالة، وكثرة الهرج، فضلاً عن خوضهم في الفتن واستشرافهم لها.
فعلى الطالب أن لا يصاحب إلا صاحب التقى والورع والعبادة، الذي يزداد بصحبته إيماناً، وبقربه قرباً من الله عز وجل. وليحذر أشد الحذر من المتحذلق عليم اللسان، المتظاهر بالورع المتكلف في العبادة، وهو أضعف الناس عبادة وأقلهم ورعاً. إذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، يضمر في قلبه خلاف ما لاكه لسانه. وفي الحلية لأبي نعيم (٧/٤٦) : "قيل لسفيان: من نجالس؟ قال: من تذكركم بالله رؤيتُه، ويرغبكم في الآخرة عملُه، ويزد في علمكم منطقُه". وفي الإبانة للحافظ ابن بطة (١/٢٠٥ رقم ٤٤) قال الحافظ عمرو بن قيس الملائي: "إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه، فإن الشاب على أول نشؤه".
وفيه برقم ٤٣ عن عبد الله بن شوذب قال: "إن من نعمة الله على الشاب إذا تنسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها".
وفي الإبانة أيضاً (٢/٤٧٩-٤٨٠) عن يوسف بن عطية عن قتادة قال: "إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله، فصاحبوا الصالحين من عباد الله لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم".
وفيه رقم ٥١٢ عن مالك بن دينار قال: "الناس أجناس كأجناس الطير: الحمام مع الحمام، والغراب مع الغراب، والبط مع البط، والصعو - نوع من الطيور - مع الصعو، وكل إنسان مع شكله".
ثم قال ابن بطة: "فانظروا رحمكم الله من تصحبون وإلى من تجلسون واعرفوا كل إنسان بخدنه وكل أحد بصاحبه، أعاذنا الله وإياكم من صحبة المفتونين ولا جعلنا وإياكم من إخوان العابثين ولا من أقران الشياطين، وأستوهب الله لي ولكم عصمة من الضلال وعافية من قبح الأفعال".

<<  <   >  >>