دلس بذكر الأماكن؛ لأنّ كلام العلماء صريح في المنع من صرف النذر لرفع القبور، وتشييدها والبناء عليها وفرشها وسترها، وإيقاد السرج عليها، وجعل السدنة لها، لما في ذلك من مضاهات اليهود والنصارى والمشركين، وما تفعله عند أوثانها وأصنامها، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء فيما نعلم.
وأما النذر لها فهو نذر معصية باتفاق العلماء، والمعصية تصدق بالعبادة للمنذور له، ومعلوم أن إخراجه على وجه القربة والتعظيم لأهل القبور عبادة لهم وشرك، وتقرب إلى غير الله، وشرع لما لم يأذن له الله، ولم تأت به شريعة، ولم يكن من هدي السلف والقرون المفضلة، ولو قصد به المجاورين والعاكفين عند القبور، فهو غير جائز أيضاً لأنّ العكوف عند القبور وسدانتها أصل عبادة الأصنام، كما ذكره ابن عباس وغيره في الكلام على قوله تعالى:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً} الآية (نوح: من الآية٢٣) .
وأما قوله: وهذه المسائل لا يكفر فاعلها عند الشيخين، فقد مرّ ردّه.
وقوله: لم يذكر هذا أحد من العلماء غير الشيخين.
فأقول: أما الإعلان بجهله وإفلاسه وعدم اطلاعه، فهو صريح في كلامه من أول رسالته إلى آخرها. وفي هذه الجملة زيادة نكتة. وهو أنه حكم على كافة العلماء من عهد أصحاب النّبي صلى الله عليه وسلّم إلى هذا الوقت أنهم سكتوا عما وقع من الناس عند القبور وآثار الصالحين: من الدّعاء والاستغاثة والتبرك، فلم يكتف العراقي بعدم علمه واطلاعه، ولم يفقه ذلك حتى تجاسر إلى نسبة العلماء إلى السكوت عن حكمها وتحريمها.
وقوله: ولو كانت هذه المسائل من الشرك المخرج لصاحبه من الملة لذكرها المفسرون.
فالجواب أن يقال:
ذكرها المفسرون وقرووها، وأطنبوا وبسطوا وكرروا، لكنهم لم يضمنوا