تعالى:{أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ}(الزمر: من الآية١٩) قال: هذا في أبي لهب. فظهر أنه متلاعب، وهذا هو:
الوجه الثالث منها: أن الذي رجح الشيخ ومن وافقه من المحققين أن هذا خاص في حياته؛ لأن المقصود به شفاعته بالدّعاء كما كان يستغفر لأصحابه ويدعو لهم، وهذا هو الذي فهمه الفاروق، وناهيك به، فإنه قال:"وكنّا نتوسّل إليك بنبيّنك فتسقنا" وهو صلى الله عليه وسلّم في حياته كان يدعو لهم فتجاب دعوته، وبعد موته لا يشرع طلب الدعاء منه؛ لأنّ عمر عدل إلى العباس ولم ينكره منكر ولم يذهب إلى القبر الشريف أحد من أفاضل الأمة وأكابرها، مع أنّ قبره صلى الله عليه وسلّم بين ظهرانيهم، وهذا اتفاق منهم على تصويب عمر ومتابعته، وهذا من باب التنزل مع هذا العراقي، وإلا فعدم مشروعيته هذا في سائر الكتب السماوية معلوم من الدين بالضرورة.
الوجه الرابع: أن الحديث إن صحّ فهو مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلّم عند من قال بالجواز، كابن عبد السلام، فسؤال الله بغيره لم يقل به أحد ممن حكى الشيخ قولهم بالجواز، قال الشيخ فيما تقدم ولا يعلم أحدٌ من السلف فعله؛ ولا روي فيه أثر ولا يعلم فيه إلا ما أفتى به الشيخ عز الدين من المنع، وعباد القبور يسألون الله بجاه من اعتقدوا فيه، بل آل الأمر إلى أن يسألوه تعالى بجاه كل من رفع قبره، وجعلت عليه قبّة، بل بالبله والمجانين الذين يعتقدهم عبّاد القبور. وقد حدثني شيخنا محمد بن محمود الجزائري بداره بالإسكندرية أن مذهب الحنفية يمنع سؤال الله بجاه أحد لقوله صلى الله عليه وسلّم:"لا تزكوا على الله أحداً" وهذا مشهور عن أبي حنيفة، وعن أبي يوسف وكثير من أتباعهما هذا مع أنها مسألة أخرى غير محل النزاع، فإيراد العراقي لها هنا مغالطة، وما تمسّك به من قول الأعمى:"يا محمد" ليس هو من سؤال الغائب وندائه كما زعمه العراقي، والالتفات له مقتضيات تذكر في فن المعاني. فأي فائدة في إيراد هذا؟ ثم هذه اللفظة وهي قوله:"يا محمد" لم يخرجها أهل السنن، ولم تثبت من الطرق المشهورة لهذ الحديث.