وأعجب من هذا في الجهالة وأبعد في التيه والضلالة أنه زعم أن هذين الشيخين لا يقولان بتأثيم من دعا الأولياء والصالحين واستغاث بهم من دون الله في حاجاته وملماته، وأنهما عذراه وقالا: هو معذور مأجور. ويل أمه، ما أكذبه، وما أضله عن الفهم الصحيح وأبعده. جميع عباراتهما، وكل مصنفاتهما ضريحة ظاهرة في تضليل فاعل ذلك والحكم عليه بالشرك الأكبر، وأنه ممن عدل بالله وسوى بربه غيره، وأنه يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل مرتداً، وأن الله سبحانه بعث جميع رسله وأنزل سائر كتبه ليعبد وحده لا شريك له، ويكفر بما عبد معه من الأنداد والآلهة. وهذا أصرح شيء وأظهره في الكتاب والسنة، وكلام علماء الأمة وفقهائها، لا سيما شيخ الإسلام وتلميذه، فإنهما قد اهتما بهذا الأصل وقرراه ووضّحاه وأقاما عليه من الأدلة والبراهين ما يعز جمعه واستفاؤه.
إذا عرفت هذا، فاعلم أن مستند المسلمين في العقائد ومرجعهم في أصول الدين وفروعه إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وإجماع من سلف من علماء الأمة. وأن التقليد في باب أصول الدين، ومعنى شهادة أن لا إله إلا الله وشهادة أن محمداً رسول الله لا يفيد ولا يجدي عندهم، وإن كان المقلَّد ـ بفتح اللام ـ فاضلاً عالماً في نفسه. وهذا العراقي يظن أن المسلمين يكفرون أهل الشرك وعباد الصالحين ويقاتلونهم على التوحيد، تقليداً للشيخ وغيره. وهذا لأنه لا يحسن سوى حرفة التقليد والكتاب والسنة عنده عن الاستدلال والاحتجاج بمكان بعيد، والمسائل التي يسقط الذم عن المخطئ فيها إذا اجتهد واتقى الله ما استطاع هي المسائل الاجتهادية، أي التي يسوغ الاجتهاد فيها أو ما يخفى دليله في نفسهن, ولا يعرفه إلاّ الآحاد؛ بخلاف ما علم بالضرورة من دين الإسلام، كمعرفة الله بصفاته وأسمائه وأفعاله وربوبيته ومعرفة ألوهيته وكتوحيده بأفعال العبد وعباداته؛ فأي اجتهاد يسوغ هنا وأي خفاء ولبس فيه؟
وليس يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل