اللهم ارحمنى إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له ". فبين أن الرب لا يفعل إلا ما يشاء، ولا يكرهه أحد على ما يختاره، كما قد يكره الشافع المشفوع إليه، وكما يكره السائل المسؤول إذا ألح عليه وآذاه. فالرغبة يجب أن تكون إليه، كما قال تعالى:{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح: ٧، ٨] . والرهبة يجب أن تكون منه قال:{وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}[البقرة: ٤٠] ، وقال تعالى:{فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}[المائدة: ٤٤] . وقد أمرنا أن نصلى على النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، وجعل ذلك من أسباب إجابة دعائنا.
وقول كثير من الضلال: هذا أقرب إلى الله منى، وأنا بعيد من الله لا يمكن أن أدعوه إلا بهذه الواسطة، ونحو ذلك هو من قول المشركين، فإن الله تعالى يقول:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦] . وقد روى: أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا: "يارسول الله، ربنا قريب فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية ". وفي الصحيح: "أنهم كانوا في سفر، وكانوا يرفعون أصواتهم بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس، ارْبَعُوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنما تدعون سميعا قريباً، إن الذى تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته " وقد أمر الله العباد كلهم بالصلاة له ومناجاته وأمر كلا منهم أن يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥] . وقد أخبر عن المشركين أنهم قالوا:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفي}[الزمر: ٣] .
ثم يقال لهذا المشرك: أنت إذا دعوت هذا، فإن كنت تظن أنه أعلم بحالك وأقدر على إجابة سؤالك أو أرحم بك من ربّك، فهذا جهل وضلال وكفر. وإن كنت تعلم أن الله أعلم وأقدر وأرحم، فلماذا عدلت عن سؤاله إلى سؤال غيره؟ ألا تسمع إلى ما خرجه البخارى وغيره عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: " إذا هَمَّ أحدكم بأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إنى أستخيرك بعلمك، واستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك