أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: ١١٧] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن قال:"ما شاء الله وشئت": " أجعلتنى لله نداً؟ ! ما شاء الله وحده "، وقال:" لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد ". ولما قالت الجويرية:"وفينا رسول الله يعلم ما في غَدٍ. قال: " دعى هذا، وقولى ما كنت تقولين ". وقال: " لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله "، ولما صفوا خلفه قياما، قال: " لا تعظمونى كما تعظم الأعاجم بعضهم بعضا "، قال أنس: "لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له؛ لما يعلمون من كراهته لذلك. ولما سجد له معاذ نهاه، وقال:" إنه لا يصلح السجود إلا لله، ولو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، من عظم حقه عليها ". ولما أتى عليٌّ بالزنادقة الذين غلوا فيه واعتقدوا فيه الإلهية أمر بتحريقهم بالنار.
فهذا شأن أنبياء الله تعالى وأوليائه، وإنما يقر على الغلو فيه وتعظيمه بغير حق من يريد علواً في الأرض وفساداً، كفرعون ونحوه، ومشائخ الضلالة الذين غرضهم العلو في الأرض والفساد، والفتنة بالأنبياء والصالحين، واتخاذهم أرباباً، والإشراك بهم إنما يحصل في مغيبهم ومماتهم، كما أشرك النصارى واليهود بالمسيح وعزير.
فهذا مما يبين الفرق بين السؤال للنبي والصالح في حياته وبحضوره، وبين سؤاله في مماته ومغيبه، ولهذا لم يكن أحد من سلف الأمة في عصر الصحابة ولا التابعين ولا تابعى التابعين يتحرون الصلاة والدّعاء عند قبور الأنبياء والصالحين ويسألونهم، ولا يستغيثون بهم، لا في مغيبهم، ولا عند قبورهم، وكذلك العكوف.
ومن أعظم الشرك أن يستغيث الرجل برجل ميت أو غائب، كما ذكره السائل، ويستغيث به عند المصائب يقول: يا سيدى فلان، كأنه يطلب منه إزالة ضره أو جلب نفعه، وهذا حال النصارى في المسيح وأمه وأحبارهم ورهبانهم. ومعلوم أن خير الخلق وأكرمهم على الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بقدره وحقه هم