من أنفسنا وأهلنا، فقال تعالى:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}[الأحزاب: ٦] ، وقال تعالى:{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ} إلى قوله: {الفَاسِقِينَ}[التوبة: ٢٤] ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم:" والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ". وقال له عمر رضي الله عنه:"يا رسول الله، واللهِ لأنت أحبَّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي". فقال:" لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ". قال: فأنت أحبّ إليَّ من نفسي، قال:" الآن يا عمر ". وقال:" ثلاث من كن فيه وَجَدَ حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ".
وقد بين في كتابه الحقوقه التي لا تصلح إلا له، وحقوق رسوله صلى الله عليه وسلّم، وحقوق المؤمنين بعضهم على بعض، كما بسطنا الكلام على ذلك في غير هذا الموضع، وذلك مثل قوله تعالى:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:٥٢] ، فالطاعة لله وللرسول، والخشية لله، والتقوي لله وحده، وقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ رَاغِبُونَ}[التوبة: ٥٩] ، فالإيتاء لله وللرسول، كقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحشر: ٧] ، لأن الحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، وأما الحسب فهو لله وحده، كما قالوا:{حَسْبُنَا اللهُ}[التوبة: من الآية ٥٩] ، ولم يقل: حسبنا الله ورسوله، وقال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[الأنفال: ٦٤] أي: يكفيكك الله ويكفي من اتبعك من المؤمنين، وهذا هو المقطوع به في هذه الآية؛ ولهذا كانت كلمة إبراهيم ومحمد عليهما صلى الله عليهم أجمعين:{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران: من الآية١٧٣] .