قد تكررت هذه الشبهة وكثر بها العدد، هكذا المفلس إذا رجع إلى ما في عيبته فوجدها صفراً، اشتغل بتقليب ما في يديه، وقد تقدم جوابها مراراً، وذكرنا أن عباد القبور قد قامت عليهم الحجة، أو على جمهورهم بالكتاب والسنة والإجماع؛ فإن هذ الباب ـ أعني باب عبادة الله وحده لا شريك له ـ هو خلاصة الكتب الإلهية، وزبدة الدعوة النبوية، وتقدم في جواب ما نقله عن ابن القيم وعن الشيخ، ففيه كفاية.
قال الشيخ رحمه الله في الرد على المتكلمين، لما ذكر أن بعض أئمتهم توجد منهم الردة عن الإسلام كثيراً، قال: وهذا وإن كان من المقالات الخفية فقد يقال فيها: إنّه مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها، لكن هذا يصدر منهم في أمور يعلمها الخاصة والعامة من المسلمين: أن الرسول (بعث بها وكفر من خالفها، مثل عبادة الله وحده لا شريك له، ونهيه عن عبادة أحد سواه من الملائكة والنبيين وغيرهم. فإن هذا أظهر شعار الإسلام، ومثل إيجابه الصلوات الخمس، وتعظيم شأنها؛ ومثل تحريم الفواحش والزنا والخمر والميسر، ثم تجد كثيراً من رؤوسهم وقفوا فيها. فكانوا مرتدين. وأبلغ من ذلك: أن منهم من صنف في دين المشركين كما فعل أبو عبد الله الرّازيّ، قال: وهذه ردّة صريحة.
فتأمّل ما في هذا من التفصيل تزول الشبهة التي يدلي بها بعض المشركين. وتقدم كلام الشيخ في الرسالة السنية. وقوله: فإذا كان على عهد النبي (وخلفائه ممن انتسب إلى الإسلام من مرق منه مع عباداته العظيمة حتى أمر (بقتالهم فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام والسنة في هذه الأزمان قد يمرق أيضاً من الإسلام وذلك بأسبابها؛ ومنا الغلو الذي ذمه الله في كتابه ـ إلى أن قال: فكل من غلا في نبي أو رجل صالح وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني أو ارزقني أو اجبرني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال. فكلّ هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه فإن تاب وإلاّ قتل.