قاله إمام السنة وقامع البدعة الصديق الثاني: فلو كان وحده لكفى به بقوله سنداً، فكيف وقد قال تعالى:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:٧٢] فلو استند بظاهر الآية لكفى بقول الله حجة.
والجواب:
أن شيخ الإسلام ابن تيمية أدى ما عليه، حكى أن اليمين لا تنعقد بغير الله، وأنه منهي عنه ولم يستثن إلا نبينا، قال عن أحمد رواية بانعقادها به صلى الله عليه وسلّم وبين أن هذا شاذ لم يقل به أحد، وهذا ليس فيه ما يتمسك به مبطل؛ فإنه وإن حكى الخلاف فقد ضعفه، واختار القول الراجح الذي دلت عليه السنة المستفيضة، وجرى عليه العمل عند أهل العلم والحديث، وفي القرون المفضلة وقوله صلى الله عليه وسلّم:"من حلف بغير الله فقد أشرك" دليل شرعي على العموم، والرواية عن الإمام أحمد ذكر الشيخ أنها شاذة. لا توافق أصوله وقواعده، وما تواتر عنه، وهذا معنى الشذوذ.
وكلام العراقي واعتراضه على الشيخ جهل عظيم فإن الراوي الواحد إذا انفرد بقول أو رواية تخالف المعروف الثابت، وصف القول والرواية بالشذوذ، وقد حكموا على ما خالف المصحف العثماني من القراءات بالشذوذ، كقراءة ابن مسعود مع العلم بأنها ثابتة، قرأ بها من هو من أجل الصحابة وأعلمهم.
واستدلال العراقي بقوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} جهل عظيم بمعنى الآية، وما عليه أهل العلم. فإن الله تعالى يقسم بما شاء من خلقه، وقسمه به تشريف له، أو تنبيه على ما فيه من الآية والبرهان، ولا يقاس به غيره تعالى وتقدّس (١) . وقد أقسم بالصافات والمرسلات
(١) ليس في الآية قسم بالنبي صلى الله عليه وسلّم مطلقاً ولا بغيره، فهي أولاً خطاب للوط عليه السلام، فإن سياقها: {قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ، لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ} [الحجر:٧١ـ٧٣] فمن أين تكون لها علاقة بمحمد صلى الله عليه وسلّم ما هو إلا التقليد الأعمى وانسياق المتأخر وراء المتقدم بدون تفكير ولا تعقل، وليس معناها القسم، وإنما معناها العدة من الله بإطالة عمر لوط عليه السلام بعد إهلاك قومه، في الوقت الذي يخبر الله أنه سينقذ في قوم لوط العذاب والهلاك عاجلاً، وهذا هو المعنى اللائق بالقرآن وآياته ومقاصده، والله أعلم.