فيها: اللهم صل على سيدنا ومولانا محمد، وأنه قال: من أكفر من صاحب الدلائل لتعبيره بهذ العبارة؟ والله أعلم بحقيقة الحال.
فتأمل كلام الشيخين وانظر كيف لم يتفوها بالشرك المخرج عن الملة. ولو لم يقيد لكان قولها واجب التأويل، لأن كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلّم إذا أطلقا يجب تأويلهما كما في آيات الوعيد، كقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة: من الآية٤٤] قال ابن القيم: "كفر دون كفر، وشرك دون شرك، وليس بالكفر المخرج عن الملة، كما ذهب إليه ابن عباس وأكابر السلف"، بل ورد إطلاق الشرك في حق سيدنا آدم عليه السلام الذي هو نبي معصوم، قال تعالى في حقه وحق حواء:{فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[لأعراف:١٩٠] فإن أكثر المفسرين على أنها مقولة بسبب تسمية آدم ابنه عبد الحارث، وهو إبليس والقصة معلومة. قال البغوي: كقول الرجل لضيفه: أنا عبدك، وليس الشرك الضار بالاتفاق، وكقوله صلى الله عليه وسلّم:"ثنتان هما في الناس كفر: الطعن في النسب والنياحة على الميت" رواه مسلم. وقد ذكر مسلم في أول صحيحه جملة أحاديث فيها إطلاق الكفر على المحرم وعلى المكروه، أولها العلماء بكفر النعمة، والمراد المستحل لهذه المعصية وهي متفق على تحريمها، فإذا كان كلام المعصوم الذي لا يترك من قوله: اتفق العلماء على تأويل إطلاقه ما يوهم الإخراج عن الملة، فكيف غير المعصوم ممن هو وسط طبقات العلماء إذا أطلق القول بذلك كيف لا يؤول كلامه؟ مع أنه ما قصر جزاه الله خيراً بل بين أتم بيان، فقد تحقق عندك من نقل عبارتهما أنهما لا يحكمان على أحد بالشرك أو الكفر إلا ومرادهما الأصغر ممن يعتقد الشهادتين، وهذا الأصغر لا يتحقق عندهما إلا بشروط أن لا يكون الفاعل مجتهداً، ولا مقلداً، ولا مؤولاً، وله له شبهات يعذره الله فيها ولا جاهلاً، ولا له حسنات تمحو هذه الخطيئة، ولم يبتل بمصائب مكفرة إلى غير