والكتابيين، واستعلن الدين واستنار، وقهر الإسلام كل مشرك جبار فأكمل الله للأمة الدين، وأتمّ النعمة بما جاء به رسوله الأمين؛ فدخل الناس في دين الله أفواجاً، وأشرقت الأرض بنور النبوة واهتزت طرباً وابتهاجاً، ومحا الله آثار الأصنام والأوثان، وخمدت معابد الصلبان والنيران، ورفعت أعلام السنة والقرآن حتى تركهم صلى الله عليه وسلّم على البيضاء ليلها كنهارها لا يضل سالكها، ولا تلتبس عليه مناهجها ومسالكها. ولم يزل خلفاؤه الراشدون ومن بعدهم من أهل تلك الأعصار الفاضلة والقرون، على هذا المنهج المنير متفقون، وبعروته مستمسكون، فاستمر الأمر على ذلك، ومضى الصّالحون على تلك المناهج الواضحة والمسالك؛ ثم نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، ولم يميز بين شعب الشرك والأصول الإسلامية، فانتقضت من الدين عراه، وعزّ خلاصه وعظمت بالجهل محنته وبلواه، وآلت الرياسة إلى الجهال والأغمار، وجاءت دولة غربة الدين واشتد الإدبار، فوقع الشرك بالصّالحين وغيرهم صرفا لم يشب؛ هرم عليه الكبير ونشأ الصغير وشبَّ، واستحكم الأمر استحكاما لا مزيد عليه. حتى جزم الأكثر بكفر من أنكر ذلك وأشير به إليه. وهذا من أعلام نبوة نبينا المصطفى زاده الله صلاة وسلاماً وشرفاً، فقد روى الشيخان وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال:"لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ ". وجاء نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما وفيه زيادة:"وباعاً بباع" وفيه: "حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه، وحتى لو أن أحدهم جامع أمه في الطريق لفعلتموه" وفي الباب عن أبي هريرة وشداد بن أوس وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم. فصار الأمر طبق ما أخبر به هذه الأمة نبيها، وظهر وجه الشبه بينهم وبينها، وانتهى الحال إلى أن قبل بالاتحاد والحلول، وكثرت في ذلك إشارات القوم والنقول، وصار هو مذهب الخاصة والخلاصة عند الأكثرين. ومن أنكره فهو عندهم ليس على شيء من العلم والدين.