الكذب والبهت البين. قال تعالى:{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}(النحل:١٠٥) لم يقع فيهما قتال بحمد الله، فضلاً عن الاستباحة.
وفي الحديث:"إنّ ممّا أدرك النّاس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" وإنما دخلها المسلمون في حال أمن وصلح، وانقياد من شريف مكة ورؤساء المدينة. وجلس المشايخ بالحرمين الشريفين للتعليم والتدريس.
وكتبت الرسائل في بيان التوحيد والتنزيه عن التقديس، حتى جاءت دولة الأتراك فجاسوا خلال الديار، وكان وعداً مفعولاً.
وأما الأموال التي أخذت من الحجرة الشريفة، فلم تؤخذ ولم تصرف إلا بفتاوى أهل العلم من سكان المدينة، ووضع خطوطهم بذلك.
وحاصل ما كتب: إن هذه الأموال وضعت توسعة لأهل المدينة وصدقة على جيران النبي صلى الله عليه وسلّم وأرصدت لحاجتهم، وأعدت لفاقتهم. ولا حاجة بالنّبيّ صلى الله عليه وسلّم إليها وإلى اكتنازها وإدخارها في حال حياته، فضلاً عن حال مماته. وقد تعطّلت أسباب أهل المدينة ومتباتهم بمنع الحاج في تلك السنة. فأخرجت تلك الأموال، لما وصفنا من الحال باطلاع وكيل الحرم وغيره من أعيان المدينة وعلمائها، وما وقع من خيانة وغلول لا تجوز نسبته إلى أهل العلم والدين أو أنهم راضون أو غير منكرين له. ولا يجوز أن يسمي ما وقع استباحة للحرمين. كما قاله هذا المفتري. كيف وقد وقع من تعظيم الحرمين وكسوة الكعبة الشريفة، وتأمين السبل والحج إلى بيت الله وزيارة الحرم الشريف النبوي ما لا يخفى على منصف عرف الحال، ولم يقصد البهت والضلال؟
وأما الاستدلال على صلاح أهلها بشرف تلك البقعة، فهو استدلال من غربت عنه أدلة الشرع وقواعده، وغابت عنه عهود الكتاب العزيز ومواعده، وصار من جماعة الغوغاء والعامة، ولا حاجة لنا إلى تعداد من كفر بآيات الله وصادم رسله ورد حججه من أهل الحرمين، ولا إلى تعداد من في بلاد الحبشة والهند وبلاد الفراعنة كمصر، وبلاد الصابئة كحران وبلاد الفرس المجوسية.