للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنت ترى اللعين- أعاذنا الله منه- يأتي الآدمي في أشياء واضحة بينة أنها مما حرم الله ورسوله فيحمله عليها حتى "يفعلها"١، ويزينها في عينه حتى يفرح بها، ويزعم أن فيها مصلحة، ويذم من خالفه كما قال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} ٢ الآية وقوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ٣، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} ٤.

وهذا معنى قول من قال: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قبل الدنيا، فإنهم يعرفونها وعيوبها، ومجمعون على ذمها، ثم مع هذا لأجلها قطعوا أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وفعلوا ما فعلوا، وهذا معنى قول مجاهد: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من حيث يبصرون٥. فهو لم يقنع بإتيانه إياهم من الجهة التي يجهلون أنها معصية مثل ما فسر به مجاهد: {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} قال: من حيث لا يبصرون٦.

ولا من جهة الغيب كما قال فيها بعضهم: الآخرة أشككهم فيها، لم يقنع بذلك عدو الله حتى أتاهم في الأمور التي يعرفونها عياناً أنها النافعة وضدها الضار، وفي الأمور التي يعرفون أنها سيئات وضدها حسنات، ومع هذا أطاعوه في ذلك إلا من شاء الله منهم كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ٧.

فقد أوضح الشيخ بهذا البيان والربط البديع بين المعاني- بعد جمعها- أن اختلافها ليس اختلافاً متضاداً، وإنما هو من قبيل التعبير عن الشيء


١ في المطبوعة. "يفعله" والتصحيح من المخطوطات.
٢ س سورة آل عمران: آية "١٨٨" وتكملتها: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .
٣ سورة البقرة: آية "٤٢".
٤ سورة البقرة: آية "١٠٢".
٥ تقدم تخريجهما ص "٧٤".
٦ تقدم تخريجهما ص "٧٤".
٧ سورة سبأ: آية "٢٠" وانظر مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص "٨٧- ٨٩".

<<  <   >  >>