للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وشق عليها، قال: المراد بالمكاره هنا ما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلا وتركا ... وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه”١.

واتباع الشهوات لذاتها لا للاستعانة بها على الطاعات مذموم، وكذلك اتباع الأهواء، قال ابن تيمية رحمه الله: “ قوله سبحانه {كَالذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا أُوْلئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلئِكَ هُمْ الخَاسِرُونَ} [التوبة:٦٩] ففي قوله {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ} إشارة إلى اتباع الشهوات وهو داء العصاة. وقوله {وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا} إشارة إلى اتباع الشبهات وهو داء المبتدعة وأهل الأهواء والخصومات وكثيرا ما يجتمعان فقل من تجد في اعتقاده فسادا إلا وهو ظاهر في عمله وقد دلت الآية على أن الذين كانوا من قبل استمتعوا وخاضوا وهؤلاء فعلوا مثل أولئك.

ثم قوله: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ} و {وَخُضْتُمْ} خبر عن وقوع ذلك في الماضي وهو ذم لمن يفعله إلى يوم القيامة كسائر ما أخبر الله به عن أعمال وصفات الكفار والمنافقين عند مبعث عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ذم لمن يكون حاله حالهم إلى يوم القيامة”٢.

وأما الشبهات فقد ذكرها الله في قوله: {هُوَ الذِي أَنْزَل عَليْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلم تَأْوِيلهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُل مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُوْلُوا الأَلبَابِ} [آل عمران:٧] .


١ الفتح ١١/٣٢٠.
٢ اقتضاء الصراط المستقيم ص ٢٦.

<<  <   >  >>