للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: فَبَلَغَ مُسَيْلِمَةَ هَذِهِ الأَبْيَاتُ، فَهَمَّ بِقَتْلِ قَائِلِهَا، فَهَرَبَ حَتَّى لَحِقَ بِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

قَالَ: وَظَهَرَ أَمْرُ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ، وَانْتَشَرَ ذِكْرُهُ فِي النَّاسِ، وَسَمِعَتْ بِهِ سَجَاحُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ [١] ، وَقَدْ كَانَتِ ادَّعَتِ النُّبُوَّةَ وَتَبِعَهَا رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهَا: غَيْلانُ بْنُ خَرْشَنَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ الأَهْتَمِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ. قَالَ: وَكَانَ لَهَا مُؤَذِّنٌ يُؤَذِّنُ لَهَا وَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ سَجَاحَ نَبِيَّةُ اللَّهِ.

قَالَ فَسَارَتْ سَجَاحُ [٢] هَذِهِ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَقَالَتْ: (إِنَّهُ بَلَغَنِي أَمْرُكَ، وَسَمِعْتُ بِنُبُوَّتِكَ، وَقَدْ أَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ بِكَ. وَلَكِنْ أَخْبِرْنِي مَا الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. فقال المسيلمة: أُنْزِلَ عَلَيَّ مِنْ رَبِّي: «لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، ٩٠: ١ وَلا تَبْرَحْ هَذَا الْبَلَدَ، حَتَّى تَكُونَ ذَا مَالٍ وَوَلَدٍ، وَوَفْرٍ وَصَفَدٍ، وَخَيْلٍ وَعَدَدٍ، إِلَى آخِرِ الأَبَدِ، عَلَى رَغْمٍ مِنْ حَسَدٍ» . قَالَ: فَقَالَتْ سَجَاحُ: (إِنَّكَ نَبِيٌّ حَقًّا وَقَدْ رَضِيتُ بِكَ، وَزَوَّجْتُكَ نَفْسِي، وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ لِي صَدَاقًا يُشْبِهُنِي) . قَالَ مُسَيْلِمَةُ: (فَإِنِّي قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ) ، ثُمَّ دَعَا بِمُؤَذِّنِهِ فَقَالَ:

(نَادِ [٣] فِي قَوْمِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ: أَلا إِنَّ نَبِيَّكُمْ مُسَيْلِمَةَ قَدْ رَفَعَ عَنْكُمْ صَلاتَيْنِ مِنَ الْخَمْسِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهِيَ صَلاةُ الْفَجْرِ وَصَلاةُ الْعِشَاءِ الأَخِيرَةِ) . فَقَالَتْ سَجَاحُ: (أَشْهَدُ لَقَدْ جِئْتَ بِالصَّوَابِ) .

قَالَ: وَلِمُسَيْلِمَةَ عِنْدَ مُوَاقَعَتِهَا كَلامٌ قَبِيحٌ لا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَهَذَا كلامه لها [٤] :


[١] سجاح بنت المنذر: مرت ترجمتها، وفي الطبري ٣/ ٢٣٦: سجاح بنت الحارث بن سويد، وفي جمهرة النسب ص ٢٢٦: سجاح بنت أوس بن حريز بن أسامة بن العنبر بن يربوع.
[٢] تكرر في الأصل رسم (شجاح) بالشين المعجمة.
[٣] في الأصل: (نادى) .
[٤] الأبيات أربعة في الطبري ٣/ ٢٧٣، والكامل في التاريخ ٢/ ٣٥٦، نهاية الأرب ١٩/ ٣٢٩.
والأبيات: ١، ٢، ٣ في الأوائل- العسكري ٢/ ١٧٤، والأغاني ٢١/ ٣٤ (مع بيت آخر) ، وثمار القلوب ص ٣١٥، والدرّة الفاخرة ١/ ٣٢٥، ومحاضرات الأدباء ٤/ ٤٣١، والمستقصى ١/ ٢٩، وجمهرة اللغة ٣/ ٤١، ٨٣، والتاج (خدع) .

<<  <   >  >>