وهذه المسألة برمتها ما هي إلا دورة طويلة، القصد منها التوصل إلى الربا بغطاء شرعي. ولهذا قال ابن قدامة بعد أن ساق بعض المعاملات التي ظاهرها الشرع وباطنها التوصل إلى محرم: قال: "والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين وهو أن يظهر عقداً مباحاًَ يريد به محرماً مخادعة، وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله، واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب، أو دفع حق، ونحو ذلك، قال أيوب السختيانى: "إنهم ليخادعون الله كما يخادعون صبياً، لو كانوا يأتون الأمور على وجهه كان أهون علي " أهـ.
وذكر صاحب المغنى أمثلة للحيل في أبواب الربا منها قوله: "وهكذا لو أقرضه شيئاً وباعه سلعة بأكثر من قيمتها توسلاً إلى أخذ عوض عن القرض فكل ما كان من هذا على وجه الحيلة فهو خبيث محرم "ا. هـ " واستطرد ابن قدامة قائلاً: "وقال أبو حنيفة والشافعي ذلك كله وأشباهه جائز إذا لم يكن مشروطاً في العقد " لكن، قال بعض أصحاب الشافعي:"يكره أن يدخلا في البيع على ذلك لأن ما كل ما لا يجوز شرطه في العقد يكره أن يدخلا عليه" ثم عقب ابن قدامة على آراء الشافعي وأبي حنيفة هذه بقوله:"ولنا أن الله تعالى عذب أمة بحيلة احتالوها فمسخهم قردة وخنازير وسماهم معتدين وجعل ذلك نكالاً وموعظة للمتقين ليتعظوا بها ويمتنعوا عن مثل أفعالهم وقال بعض المفسرين في قوله تعالى {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} أي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم فروي أنهم (أي بنى إسرائيل) كانوا ينصبون شباكهم للحيتان يوم الجمعة ويتركونها إلى يوم الأحد، ومنهم من كان يحفر حفائر ويجعل إليها المجاري فيفتحها يوم الجمعة فإذا جاء السمك يوم السبت جرى مع الماء في المجاري فيقع في الحفائر فيدعها إلى يوم الأحد ثم يأخذها ويقول: ما اصطدت يوم السبت ولا اعتديت فيه فهذه حيلة". (أ. هـ.)
وقال ابن عباس أيضاً فمن يشتري بنقد (حاضر) ومقصوده البيع نسيئة (أي إلى أجل) قال: "إذا استقمت بنقد ثم بعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمت بنقد ثم بعت بنسيئة فتلك دراهم بدراهم " قال ابن تيمية تعقيباً على كلام ابن عباس هذا: "ومعنى كلامه إذا استقمت، إذا قومت يعني إذا قومت السلعة بنقد وابتعتها إلى أجل فإنما مقصودك دراهم بدراهم "(الفتاوى ص ٤٤٢ ج ٢٩) وعقب الإمام ابن تيمية ناصحاً من يتبع بعض الأقوال الضعيفة لأهل العلم ويستحل مثل هذه الحيل قال: "عليهم إذا سمعوا العلم أن يقولوا عن هذه المعاملات الربوية، ولا يصلح أن يقلد فيها أحداً فمن يفتي بالجواز تقليداً لبعض العلماء فإن تحريم هذه المعاملات ثابت بالنصوص والآثار ولم تختلف الصحابة في تحريمها وأصول الشريعة شاهدت بتحريمها، والمفاسد التي لأجلها حرم الله الربا موجودة في هذه