للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأخذت قوة طرسوس تسير إلى انحدار سريع، وقطع الروم عن أهلها إمدادات المسلمين، ففي عام ٣٥٠ هـ سار قفل عظيم من أنطاكيا إلى طرسوس، ومعهم صاحب أنطاكيا، فخرج عليهم كمين للروم، فأخذ من كان فيها من المسلمين، وقتل كثيراً منهم، وأفلت صاحب أنطاكيا، وبه جراحات١.

واتسعت هجمات الروم، وسقطت جزيرة اقريطش (كريت) بأيديهم وقتل ارمانوس بن قسطنطين كثيرا من أهلها، وسبى من بقي، وأخذ الأموال، وأحرق المصاحف، وهدم المساجد٢. فاستنجد أهلها بالمعز الفاطمي فأرسل إليهم جيشاً فانتصروا على الفرنج٣. وهاجموا منبج في الثغور، وأسروا أبا فراس الحمداني وكان متقلداً لها٤. وسقطت بأيديهم عين زربى٥.

وقد أمن الروم قوة طرسوس التي غرقت في الفوضى من داخلها، إذ تنكرت لسيف الدولة، بسبب ظلمه، وقبضه لوقوف أهل طرسوس، في بلاد حلب، وولاياتها، وكانت مورداً هاماً لأهل الثغر. فقطعوا الدعوة له، وأعلنوها لأنوجور وكافور الإخشيديين، وتزعم ذلك رشيق النسيمي، وضمن لها عمارة الثغر نيابة عنهما.

واتفق أهل المدينة، وعلى رأسهم أبو أحمد الهاشمي، ومحمد بن الزيات، على أن يكون الهاشمي وابن الزيات أميري الثغر، وأن يخطب لهما معا. وأرسلوا رسولا إلى مصر ليعلم أنوجور وكافور بالأمر، ولجلب الميرة والمال، لانفاقهما في الثغر. وكان الخليفة المطيع لله (٢٣٤-٢٦٣ هـ) قد كتب لأنوجور بن الإخشيد على مصر، والاسكندرية، والشام، وقبرص، على أن يحمل إلى حضرته كل سنة مائة ألف دينار، وولاه أمورها سوى الخطابة والحكومة، على أن يحمل إلى طرسوس في كل سنة خمسة وعشرين ألف دينار، وتفرق في المستحقين ببلاده مائتي ألف دينار٦. ولكن أنوجورِ وكافور لم يرسلا شيئاً إلى طرسوس، فقام سيف الدولة بمراسلة الهاشمي وابن الزيات سرا عن رشيق النسيمي، وتم الاتفاق على إعادة الدعوة لسيف الدولة مقابل رد الوقوف المقبوضة، وإرسال مال إليهما لينفقاه بالثغر.


١ نفسه ٦/ ٣٦٠.
٢ العيون والحدائق ٤ ق ٢/ ٢٤، ابن تغري ٣/ ٣٢٧.
٣ البداية والنهاية ١١/ ٢٤١، الكامل ٧/٥.
٤ الكامل ٧/ ٥، ابن تغري ٣/٣٣٣، البداية ١١/٢٤١.
٥ العيون والحدائق ٢ ق ٢/٢١٨، حول الإسلام ١/٢١٧، في حين ذكر ابن الأثير سقوطها عام ٣٥١ هـ/ الكامل ٧/ ٢.
٦ أخبار الدول المنقطعة ص ٢٤٨.

<<  <   >  >>