وقال الجصّاص:«وقوله تعالى: {فتبينوا} اقتضى ذلك النهي عن قبول شهادة الفاسق مطلقاً، إذ كان كل شهادة خبراً، وكذلك سائر أخباره، فلذلك قلنا: شهادة الفاسق غير مقبولة في شيء من الحقوق، وكذلك أخباره في الرواية عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وكلّ ما كان من أمر الدين، يتعلّق به إثبات شرع، أو حكم، إو إثبات حق على إنسان» .
وقد استثنى العلماء من قبول خبر الفاسق أموراً تتعلّق بالمعاملات وليس فيها شهادة على الغير منها:
أ - قبول قوله في الإقرار على نفسه مثل: لفلان عندي مائة درهم فيقبل قوله كما يقبل في ذلك قول الكافر، لأنه إقرار لغيره بحق على نفسه فلا تشترط فيه العدالة.
ب - قبول قوله في الهدية والوكالة مثل إذا قال: إنّ فلاناً أهدى إليك هذا، يجوز له قبوله وقبضه، ونحوه قوله: وكّلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه.
ج - وكذلك في الإذن بالدخول ونحوه كما إذا استأذن إنسان فقال له: ادخلْ لا تشترط فيه العدالة. ومثل هذا جميع أخبار المعاملات إذا لم يكن فيها شهادة على الغير.
واختلف العلماء في أمر الولاية بالنكاح، «فذهب الشافعي» وغيره إلى أن الفاسق لا يكون وليّاً في النكاح، لأنه يسيء التصرف، وقد يضرّ بمن يلي أمر نكاحها بسبب فسوقه.
وقال أبو حنيفة ومالك: تصح ولايته، لأنه يلي مالها فيلي بُضْعها كالعدل، وهو - وإن كان فاسقاً - إلاّ أنّ غيرته موفّرة، وبها يحمي الحريم، وقد يبذل المال ويصون الحُرمة، وإذا ولي المال فالنكاح أولى.