وهناك طريقة ثانية لإثبات الزنى وهي طريقة (الإقرار) بأن يشهد الشخص على نفسه ويعترف صريحاً بالزنى. والإقرار - كما يقولون - سيّدُ الأدلة {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}[القيامة: ١٤] وقد أخذ الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ باعتراف ماعز والغامدية، وأقام عليهما الحد بمجرد الاعتراف ولم يكلفهما البينة، ولكن يطلب التثبت في أمر الإقرار. واعتبر بعض الفقهاء (الحبل) كقرينة على اقتراف فاحشة الزنى. ولم يحصل في عصره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إقامة حد الزنى إلا عن طريق الإقرار وذلك في حادثتين اثنتثن هما: حادثة ماعز، وحادثة الغامدية وإليك بيانهما.
١ - قصة ماعز الأسلمي:
وري أن (ماعز بن مالك الأسلمي) كان غلاماً يتيماً في حجر (هزال بن نعيم) فزنى بجارية من الحي فأمره هزال أن يأتي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ويخبره بما صنع لعله يستغفر له، فجاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو في المسجد فناداه: يا رسول الله (إني زنيت فأعرض عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وقال له: ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه، فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال (إني زنيت) فأعرض عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فتنحّى لشق وجهه الذي أعرض قبله فقال (طهرني يا رسول الله فقد زنيت) فقال له أبو بكر الصديق: لو أقررت الرابعة لرجمك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ولكنه أبى فقال يا رسول الله (زنيت فطهرني) .
فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«لعلك قبّلتَ أو غمزتَ أو نظرتَ» قال لا، فسأله رسول الله باللفظ الصريح الذي معناه (الجماع) فقال نعم، قال: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قال: نعم، قال كما يغيب الميل في المكحلة والرشاة في البئر؟ قال: نعم فسأله النبي هل تدري ما الزنى؟ قال: نعم أتيت منها حراماً ما يأتي الرجل أهله حلالاً، قال: فما تريد بهذا القول: قال إني أريد أن تطهرني فأمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ به فرجم، فلما أحسّ مسّ الحجارة صرخ بالناس: يا قوم ردوني إلى رسول الله فإن قومي قتلوني وغرُّوني من نفسي وأخبروني أن رسول الله غير قاتلي، ولكن الناس ضربوه