بالسيف غير مصفح عنه ويلتفت الرسول إلى أصحابه قائلاً: أتعجبون من غيره سعد والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، يطلب الرسول البينة من هلال وليس معه بينة ويشتد الأمر على الرسول وعلى أصحابه ويتحدث الناس: الآن يضرب الرسول هلالاً، ويبطل بين الناس شهادته، فيقول (هلال) يا رسول الله والله إني لصادق وإني لأرجو أن يجعل الله لي منها فرجاً ومخرجاً وينزل الوحي على الرسول بهذه الآيات الكريمة التي أصبحت قرآناً يتلى ودرساً يحفظ ونظاماً يطبقه المسلمون في حياتهم ويقول الرسول الكريم: «أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً» فيقول هلال: قد كنت أرجو ذلك من ربي عَزَّ وَجَلَّ.
هذه ناحية دقيقة، عالجها الإسلام بحكمته الرفيعة وجعل لها فرجاً ومخرجاً فشرع (اللعان) بين الزوجين، ليستر المولى على عباده زلاتهم ويفسح أمامهم المجال للتوبة والإنابة. ولولا هذا التشريع الحكيم لأريقت الدماء. وأزهقت الأرواح في سبيل الدفاع عن (العرض والشرف) وقد يكون هناك عدوان من أحد الزوجين على الآخر فلو سمح للزوج أن ينتقم بنفسه فيقتل زوجه لكان هناك ضحايا بريئات يذهبن ضحية المكر والخبث إذ ليس كل زوج يكون صادقاً؛ ولو أقيم عليه (حد القذف) لأنه قذف امرأة محصنة لكان في ذلك أبلغ الألم والضرر إذ قد يكون صادقاً في دعواه فيجتمع عليه (عقوبة الجلد) و (تدنيس الفراش) فإذا تكلم جلد، وإذا سكت سكت على غيظ.
فكان في هذا التشريع الإلهي الحكيم أسمى ما يتصوره المرء من العدالة والحماية وصيانة الأعراض وقبر الجريمة في مهدها فهو (بطريق اللعان) إذ يترك الأمر معلقاً لا يستطيع أحد أن يجزم بوقوع الجريمة أو بخيانة الزوجة، ولا يقطع بكذب الزوج إذ يحتمل أن يكون صادقاً ثم يفرق بينهما فرقة مؤبدة تخلِّص الإنسان من الشقاء، وتقطع ألسنة السوء، وتصون كرامة الأسرة.
فللَّه ما أسمى تشريع الإسلام وما أدق نظره وأحكامه!! وصدق الله {أَفَحُكْمَ الجاهلية يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة: ٥٠] .