يجوز للإنسان أن يشارك غيره في الطعام، وقد دل على ذلك قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً} أي مجتمعين أو منفردين. فإذا اشترك جماعة في طعام جاز لهم أن يأكلوا منه مجتمعين. وقد كان الرجل يخاف إن أكل مع غيره أن يزيد أكله على أكل صاحبه، فامتنعوا لأجل ذلك من الاجتماع على الطعام. فرخّص لهم القرآن الكريم وأباح لهم الأكل حتى ولو كان بعضهم أشهى نفساً، وأوسع معدة. وقد دلّ على هذا قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ اليتامى قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}[البقرة: ٢٢٠] فأباح لهم أن يخلطوا طعام اليتيم بطعامهم فيأكلوه جميعاً. ونحو هذا قوله تعالى عن أصحاب الكهف {فابعثوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذه إلى المدينة فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَآ أزكى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِّنْهُ}[الكهف: ١٩] .
فكان الورِق (الفضة) لهم جميعاً. والطعام بنهم فاستجازوا أكله وهذا ما يسميه الفقهاء (المناهدة) وهي الشركة التي يفعلها الناس في الأسفار.
الحكم الخامس: هل تقطع اليد في السرقة من بيت المحارم؟
قال ابو بكر الجصّاص رَحِمَهُ اللَّهُ في كتابه «أحكام القرآن» : «قد دلت هذه الآية على أن من سرق من ذي رحم محرم أنه لا يقطع؛ لإباحة الله لهم بهذه الآية الأكل من بيوتهم، ودخولها من غير إذنهم، فلا يكون ماله مُحْرَزاً منهم.
فإن قيل: فينبغي أن لا يقطع إذا سرق من صديقه، لأن في الآية إباحة الأكل من طعامه؟ قيل له: من أراد سرقة ماله لا يكون صديقاً له» .