أقول: الحدود تُدْرأ بالشبهات، ولمّا كانت السرقة من بيت ذي الرحم المحرم، وبينهما هذه القرابة القوية وهي (قرابة الرحم) فقد وجدت الشبهة، فلا قطع حينئذٍ وإنما فيه التعزير والله تعالى أعلم.
الحكم السادس: هل الآية الكريمة منسوخة بآية الاستئذان؟
ذهب بعض المفسّري إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:{لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتى تَسْتَأْنِسُواْ}[النور: ٢٧] وبقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه» والصحيح أنها غير منسوخة وهو رأي جمهور المفسّري ومذهب الإمام أبي بكر الجصّاص والرازي وغيرهما. وقد قال أبو بكر: ليس في ذلك ما يوجب النسخ، لأن هذه الآية فيمن ذكر فيها - أي من أهل الأعذار والأقارب - وقوله {لَا تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ}[النور: ٢٧] في سائر الناس غيرهم، وكذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ:«لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه» فإنه في غير هؤلاء المذكورين في الآية الكريمة والله أعلم.
ما ترشد إليه الآيات الكريمة
أولاً - رفع الحرج عن أهل الأعذار في ترك الجهاد أو في الأكل من بيوت الناس.
ثانياً - إباجة الأكل من بيوت الأقارب للمؤانسة والمباسطة التي تكون في العادة بينهم.
ثالثاً - حق الصداقة عظيم ولذلك رخّص الله في الأكل من بيت الصديق بغير إذنه.